آخر تحديث :الخميس - 30 يناير 2025 - 04:42 م

كتابات واقلام


حين تخنق الشعوب.. تقبر العروش

الثلاثاء - 28 يناير 2025 - الساعة 06:09 م

سعيد أحمد بن اسحاق *
بقلم: سعيد أحمد بن اسحاق * - ارشيف الكاتب



لا أحد ينكر بأن هناك أحداث قد أحدثت تحولا في مسار الأقليم على نطاق الجزيرة العربية والخليج.. عشنا الحدث كما عشنا التحول ولكن من كان السبب الحقيقي في هذا؟ لا غبار إن قلنا: أن العلاقات الدولية هي علاقات القوة وليس القانون وأن القوة باقية والقانون يقنن ويشرع ما هو باق.
من المعروف ان الوحدة اليمنية قامت بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على مبادئ القومية العربية وهو هدف الدولتين إلا أن هناك تحديات امام نظامين مختلفين سياسيا واقتصاديا ناهيك عن التدخلات الاجنبية، اذن ماالاسباب الحقيقية خلف اعلان الوحدة وجعلها اندماجية بدلا من فيدرالية أو كونفدرالية؟ لن يعفينا من السؤال كما لن يعفينا من مساءلة أنفسنا عن هذا الأختيار.. بالطبع نحن نتفق جميعا، بأن الأختيار كان تاريخيا بكل معاني الكلمة، لكنه لا يعبر الا عن فكرة جنونية مرعبة، تتسم بمنتهى الجرأة لإنهاء شعب وهوية.
لا غبار ولاشك ان الأختيار لاجل التربع على كرسي السلطة بعد إنتهاء تأثيرات الحرب الباردة على الدول العربية.. فكان ان جاء اعلان الوحدة الاندماجية على عجالة في 22/مايو/1990م تاركا التركيز على التنافس والتصارع.. اتفاق قائم على المنافع السياسية والافتعال الذاتي فكانت الاندماجية كارثة على الشعب الجنوبي بكل المقاييس ربما نتيحة للعزلة مع الدول الرأسمالية وتدني سبل المعيشة حيث ان الهجرة هي العامل الاساسي لمصدر الدخل وكذا للقبضة الحديدية الذي يمارسها النظام في الجنوب في الوقت نفسه ان النظام واجه انقسامات كبيرة بين الرفاق بعد أحداث 13/ يناير الموسمية في عام 1986م وبالتالي الخوف من المحاكمات التي قد يتعرض لها بعض أعضائه بعد الأحداث، ناهيك عن تفكك الاتحاد السوفيتي بل للمنظومة الاشتراكية بكاملها مما جعله فاقد للسند السياسي والاقتصادي، فهذه أهم الاسباب الرئيسية لاختيار الوحدة الاندماجية التي لم يكن للشعب فيها رأي من ذاته ولا حتى التشاور مع رفاق الحزب، فالاندماجية كان مطلبا لامين عام اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني الذي لاقى قبولا لدى البعض وخاصة المحسوبين على الشمال مما رجحت كفة الموافقين فوجدت المعارضة نفسها خارج المشهد.
يسعى النظام في الشمال الى الخلاص من الحزب الاشتراكي وإلغاء الهوية الجنوبية إيمانا منه بعودة الفرع الى الأصل من حيث الكثافة السكانية.
فالوحدة إذن لم ترتكز على أسس سليمة وإنما قامت على مراكز قوى عسكرية وقبلية، كل يرى نفسه هو الأحق للسلطة والهيمنة على الثروة والأرض.. فلم تكن الوحدة وحدة شعبية، فهي بحق وحدة طائشة.
لقد تعرضت الوحدة المعلنة في 22/مايو/1990م الى اكبر إمتحان بعد مدة وجيزة من ولادتها لم تتعدى على 71 يوما فقط من حدث مزلزل على الشعب الجنوبي تجمعت حوله كثير من الأعاصير والدوامات تؤذن بالانقسامات والتحولات الدرامية المثيرة لم تكن بالحسبان. وقد كان الغزو العراقي على الكويت في 2/أغسطس /1990م صاعقة بكل المقاييس على الشعب الجنوبي وخاصة على حضرموت والمهرة لارتباط الكويت بهما بالجانب الملاحي قبل ظهور اكتشاف النفط.. واعتبر أن عجالة اعلان الوحدة ومساندة صدام حسين ماديا وسياسيا واعلان وقوفه ضد اعداء الامة العربية كما يدعي لليمن هو جزء من مؤامرة قد خطط لها لتحييد الجنوب من المشاركة في الدفاع عن الكويت. وتوالت الاحداث على الجنوب خلال الفترة من 1991 وحتى 1993 حيث طالت الاغتيالات 158 كادرا عسكريا من خيرة رجالات الجنوب في صنعاء واستمرت الاغتيالات وتأزمت الاوضاع اكثر حين طال الغدر لاقوى الالوية الجنوبية في عمران و ذمار وجبل الصمع في تخوم صنعاء ويريم وحرف سفيان والعصيمات من قبل القوى العسكرية المركزية والقبلية حتى لا يكون هناك جيش قوي للجنوب ولا هوية لدولته باعتبار ان اليمن (الشمال) هو الاصل و (الجنوب) الفرع عاد لأصله، مما تولد شرخا عميقا بين النظامين.
وفي يوم الخميس تاريخ 5/مايو/1994 م أندلعت حرب 1994م في عدن سبقها خطاب علي عبدالله صالح وهي رسالة موجهة الى الحزب الاشتراكي لكن فحواها الاستعداد والتجهيز لحرب 1994 التي تجمعت القبائل الشمالية مع القوى العسكرية المركزية والاحزاب والتنظيمات الارهابية واطلاق كبار المجرمين من سجون صنعاء والمدعومة بالفتاوي التكفيرية، بأن قتال الجنوبيين واجب شرعي وان ما يملكونه غنائم تعتبر مباحة للمسلمين، فهدمت مؤسسات الدولة ونهبت ما فيها ولم تسلم منها المؤسسات والاملاك المدنية لطمس الهوية الجنوبية ولشخصية الدولة.
في ظل هذه الحرب الجائرة والغزو البربري اعلن علي سالم البيض فك الارتباط و قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الجديدة تحت رئاسته في عدن عشية 21/مايو/1994م وقد حاولت المملكة العربية السعودية جاهدة باصدار قرار من مجلس التعاون الخليجي بالاعتراف بالدولة وقد وافقت عليها الكويت والبحرين والامارات ورفضته قطر وسلطنة عمان، مما جعلت المملكة تتجه نحو الامم المتحدة في محاولة منها لاصدار قرار بوقف الحرب في عدن، إلا أنها لم توفق بذلك، مما دعاها بالاجتماع مع الرئيس الامريكي للمطالبة باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالدولة الجنوبية الجديدة إلا أنها قوبلت بالرفض بعد اغراءات من عبدالكريم الارياني لامريكا بعدم الاعتراف بالدولة الجنوبية مقابل النفط وبما تريده .. فلم تملك السعودية امامها الا ورقة واحدة وذلك لاقناع الشيخ القبلي عبدالله بن حسين الاحمر المعادي للوحدة بالعمل على وقف الحرب وعدم المشاركة فيها مقابل الدعم السخي له إلا أنه خيب آمال السعودية بتمسكه مع تحالف علي عبدالله صالح..فوجدت السعودية نفسها في موقف صعب، وبالتالي ليس امام السعودية إلا القيام بدعم علي سالم البيض وذلك بالخروج خارج اليمن، وبخروجه سقط الجنوب تحت قبضة علي عبدالله صالح وحلفائه بالقوة العسكرية والقبلية والتدخلات الاجنبية واصبح الجنوب بكامله تحت الاحتلال اليمني في 7/يوليو/1994م ،فثبت مما لا يدعو للشك بأن الوحدة اليمنية ليست وحدة شعب وانما وحدة قوى عسكرية وقبلية وتدخلات خارجية ذات اطماع للثروة النفطية.
وظل الشعب رافضا للوحدة ونشطت الاغتيالات من قبل قوى الاحتلال تكاد تكون بشكل يومي وزادت المعاناة اكثر وتفاقم الازمة ونهب الثروات الطبيعية كما تفاقم وأد الثروات البشرية وتأزمت الاوضاع سوء وثبت الاحتلال تسلطه وجبروته بشن حربه الحاقدة على عدن عام 2015 م حملت معها رياح العنصرية وضلال العقيدة والفتاوي التكفيرية فكان ذلك واضحا في استخدام قوى الاحتلال والضلال للاسلحة التدميرية الممنوعة استخدامها داخل المدن، تعرضت المباني السكنية للدمار والسقوط وايضا للبنى التحتية وقطع المياه والكهرباء..وتصدت المقاومة الشبابية للعدو بشراسه رغم ما يملكونه من أسلحة شخصية خفيفة لكن أثرها أكبر و أقوى من دبابات العدو وصواريخه جعلته عاجزا امام ضربات المقاومة الوطنية للدفاع عن الوطن والارض والعرض وقد جسدت الامارات والسعودية ابلغ صفحات الجسد الواحد وملاحم المصير الواحد وكشفت حرب 2015م الكثير من الاسرار المبطنة التي تحمل بين ثناياها حب الانتقام والكراهية الذي يحمله العدو على شعب الجنوب ومن الذين لا يتمنون للجنوب الخير والامن والاستقرار، ومازالوا يبذلون المال والعدة،لأبقائه خاضعا ذليلا. إلا ان ذلك لن يثنيه عن استعادة دولته وهويته برغم التحديات والصعاب؛ولن يضيع حق ابدا، بالعزيمة والاصرار والايمان بحق تقرير المصير .، ولاجل ذلك تطوع عسكريون ممن كانوا بالجيش الجنوبي لتنظيم المقاومة الجنوبية وكانت بمثابة شرارة لتوحيد الصف الجنوبي سميت بالحراك الجنوبي تدعو الى فك الارتباط لاستعادة الدولة والمطالبة بالاصلاح السياسي والاقتصادي. واستمرت المقاومة الى ان تم تفويض اللواء الركن عيدروس قاسم الزبيدي بتشكيل كيان سياسي موحد من داخل صفوف الحراك الجنوبي يضم جميع المحافظات الجنوبية فأعلن في 11/مايو/2017 م عن تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة عيدروس قاسم الزبيدي هدفه الرئيسي استعادة الدولة بحدودها الى ما قبل 22/مايو/1990 كاملة السيادة ولا خيار في ذلك الا من خيارات ثلاثة:
-- دولة الجنوب العربي
-- دولة حضرموت الفيدرالية
-- جمهورية اليمن الديمقراطية
فلا مساومة على ثروات الجنوب لانها ملك للشعب الجنوبي لبناء ونماء الدولة الحرة.. مطلب شعبي وصوت الحق لا يموت.
استمرت المقاومة ومازالت برغم التغيرات العالمية وما يصاحبها من تحديات وتحولات.
وبينما كانت الدماء تخضب ارض الجنوب وتشتد المقاومة وتتصاعد وتأكد ان اقدام قوى الاحتلال تغوص في الوحل كان لابد من اتفاق اطلق عليه باتفاقية الرياض تم التوقيع عليه مساء يوم الثلاثاء الموافق 5/نوفمبر/2019م بحضور رئيس الجمهورية اليمنية عبدربه منصور هادي وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان وولي عهد ابوظبي محمد بن زايد آل نهيان.. حيث وقع عن الجانب الحكومي سالم الخنبشي رئيس الوزراء والدكتور ناصر الخبجي عن المجلس الانتقالي، نذكر بعضا من بنوده منها:
-- ايقاف الحملات الإعلامية المسيئة بكافة أنواعها بين الأطراف.
-- توحيد الجهود تحت قيادة تحالف دعم الشرعية لاستعادة الامن والاستقرار في اليمن ومواجهة التنظيمات الارهابية.
-- تشكيل لجنة تحت اشراف تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية تختص بمتابعة وتنفيذ وتحقيق احكام هذا الاتفاق وملحقاته.
-- مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في وفد الحكومة لمشاورات الحل السياسي النهائي انقلاب الميليشيا الحوثية الارهابية المدعومة من النظام الايراني.
لاشك ان ذلك يعد تحولا في مسار القضية الجنوبية وتدويلها للسير بها نحو المسار الصحيح وايصال صوت الشعب الجنوبي للشعوب التواقة للحرية باستعادة دولته وهويته، برغم معاناته وما وصل إليه من فقر وجوع وما يعمل اعداءه على تقسيم نسيجه الاجتماعي للعمل على تفريقه وتمزيقه مستغلين معيشته القاسية وتدهور العمله وتدمير بنيته التحتية وزرع عدم الثقة بين أعضائه. إلا ان مسيرة النضال ظلت قوية تسير بخطوات ثابتة وحكيمة، فقطعت بذلك شوطا كبيرا في الدبلوماسية الجنوبية وأمتلكت القضية الجنوبية للحامل السياسي والبعد الدولي لها مما يتطلب التنسيق الدولي والعربي لأجل سلام دائم لانهاء معاناة الشعب..
بهذا الانتصار الدبلوماسي بأحقية استعادة الدولة؛ ازعجت قوى الاحتلال كما ازعجت ادواته الخائفة على فقدان مصالحها وسحب البساط منها.. عملت ليل نهار على خلق الاشاعات ودفعت الاموال السخية لصناع الاشاعات لزعزعة الثقة بين الناس وخلق الشكوك بإتهام الناس بالباطل من غير إدراك ما يدور بدون إثبات لتسهيل مهام وترسيخ الاحتلال واطماعه.. هؤلاء المرتزقة جند مجندة للعدو مهامها ينحصر في خلق الاشاعات ليوهم للناس الشك، لذا تجدهم يستغلون أي حدث او انجاز ويركبونه بشكل مختلف لزرع الخوف في القلوب من اجل الوطن وهو على خلاف ذلك.. أقوام خبيثة تدعي العلم وهم مجموعة من الدجالين والمهرجين.، و لن يفلح العدو في محاولاته الدنيئة مهما يكون.. فالوطن أكبر من هؤلاء المرتزقة بكثير؛ وسوف يتكفل التاريخ بكشف أبعادهم وفهم أسرارهم، وستفصح عنها الايام عاجلا أم آجلا.
إننا أمام صفحات جديدة سوف يشهدها العالم في ظل تغيرات وتحولات خلال هذه السنة بعضها مفروض بفعل قوى خارجية، وبعضها بفعل عوامل داخلية.. ولكنها تتوقف على كيفية التعامل
مع النظام الجديد.
اننا على العهد سائرون وعلى خطى القائد عيدروس راسخون حتى استعادة الدولة والهوية الجنوبية ثابتون، وليخسئ المرجفون.. اللهم إني أعوذ بك من الخيانة فإنها بئس البطانة.
شكراً للسعودية وشكرا للامارات والكويت والبحرين.. وطن واحد وقلب واحد في السراء والضراء.