آخر تحديث :الأحد - 28 أبريل 2024 - 10:36 ص

كتابات واقلام


حرب الخصوم بدأت عبثاً ثم هدنة ورخاء بينما تشتد رحاها على الشعوب جَلْدَاً وعناء

الأربعاء - 13 سبتمبر 2023 - الساعة 09:01 م

محمد علي محمد احمد
بقلم: محمد علي محمد احمد - ارشيف الكاتب


بالرغم من المآسي و المعاناة التي طوقت شعبنا المكافح في الجنوب من كل جانب ، وكذا إخوتنا المواطنون المغلوب على أمرهم في الشمال ، إلا أن الله سبحانه و تعالى كان و ما زال لطيف بحالهم ، مقارنة بما حصل و يحصل في دول شقيقة أخرى ، كمثل ما حصل في ليبيا و المغرب حماهما الله و حفظ أهلها مما ابتلي بها بلدانهم بالزلازل والفيضانات و غيرها من الدول التي أصابتها ما أصابها من ابتلاءات ، والتي يمحص فيها العليم الحكيم عباده المؤمنين رحمةً بهم و دعوةً كريمةً منه للعودة إليه و التمسك بحبله المتين دون سواه ، وهي بكل تأكيد رسائل إنذارٍ و وَعِيدٍ لأولئك الظَلَمَة و المفسدين ، الخائنين للأمانة التي تَحَمَّلُوهَا دون وجه حق ، و رُغْمَاً عن قناعات الشعب في اغتصاب سلطته ، و ضياعاً لحقوقه ، ونهباً لِمُقَدَّراته ، سيما وهم غير أَكِفَّاء ، و ليسو أهلاً للثقة ، بل لا يستحقون الحياة و البقاء ..

و لذلك تعظم في عين و قلب و روح الشعب المتواضع المسكين لطف الله بهم و ترتفع لديهم درجات الإيمان و الصبر على البلاء ، شكراً لأنعمه التي لا تعد و لا تحصى ، و التي مهما صغرت في عين اللئام نكراناً و غفلة واستهزاءاً ، إلا أنها تكبر في أعين العظام الفقراء البسطاء ، لأنهم واثقون بنصر الله و تأييده مهما اشتدت عليهم الأزمات المفتعلة ، و أمعن الشياطين في التضييق عليهم حد الفناء ، لذا فإن صمت الشعب تجاه عجز و فساد الحكومة وكل مسؤول في البلد ليس خوفاً منهم و إلا فما هي إلا لحظة فارقة إذا أرادها الشعب فسيرمي بهم في مكب القمامات ، و لن توقفه أي قوة دولية أو إقليمية ، بل أن الجيش والأمن المحلي سيسادنهم لأنه من الشعب و يعاني مثلما يعانون و أكثر و هذا هو دورهم في رفع الظلم عن الشعب و لحمايته ، لا لحماية من تسبب في إذلاله ، و من جعله بعد أن كان حراً كريماً أبياً مِعْطَاء ، إذا به يستجدي قُوْتَهُ و معاش عِيَالِهِ على مائدة المانحين له بقليل من العطاء !!

و إذا بحكومة (الكفاءات) تُكافئ الشعب على صبره و احتسابه بتفننها في حربه و تعذيبه ، و بدل أن تسعى حكومة (المناصفة) جاهدة لإنصافه ، إذا بها تتقاسم ثرواته و إن اضطرت لأكلت كبده و أحشاءه .
فكيف ندعوها حكومة بالله عليكم وهي لم تحافظ على استقرار عملتها و محاربة المضاربة ، واحتكار التجار للسلع و المزايدة بها دون رقيب أو حسيب ، و لم تدفع عن المواطن بل لم تفرض هيبتها تجاه جشع الهوامير و المهربين للسلع والوقود ، و تهميش دور المؤسسات و الشركات الحكومية من مهامها المناط بها ، كل هذا الإنفلات المعيب ، يقع ضحيته المواطن البائس الذي أصبح دخله لا يكاد يغطي قوته وقوت أولاده هذا إن تحصل عليه أصلاً كل شهر ، والا فحال أكثرهم مدنيون و عسكريون يرثى لهم ، إذ تمر الأشهر وهو في انتظار ما ستجود به الحكومة بعد فترة نقاهة واستجمام ، والحال أدهى و أمر بالنسبة لملف الخدمات والكلام عنه في سطور معدودة جريمة لا تغتفر ، لما فيه من فضاعة و إجرام ، و لؤم أشبه بنشوة انتقام ، وإذا بالحكومة و على لسان أمين بيت المال ، و الحال قد وصل بالناس مبلغه لتعلن فقط بالكلام ، عن جملة إصلاحات تجعلنا نحلق في عالم المثالية و الأحلام ، كمن بدأ غُسْلَ الجمعة من الأقدام ، ثم عرج على وجهه تاركاً رأسه بلا اهتمام ، ثم عصبه بأجمل هندام، وقال من على المنبر اسمعوا و عوا أيها الأنام ،
و هذا تملص من الإعتراف بالفشل والإنهزام ، ولمواصلة سياسة الكذب و بيع الأوهام .

فمن يبلغ أولئك الأوغاد الجاثمين على صدورنا ، المستمتعون بحكمهم لنا ، بأن ستر الله و عنايته العظمى و التي خص بها هذا البلد وشعبه المكلوم رحمة منه وفضلاً و كرماً ، ماهي إلا آية و معجزة كبرى ، في حين أن ظلمهم لنا قد جاوز المدى ، و حجم فسادهم لم يسبقهم به العِدَا !!

و أي حرب عبثية تلك التي لم يعرف لها بداية و لا انتهاء ، ولا بان لها هدف في السماء ، يخدعوننا و يَدَّعون كَذبَاً تارة أنها حرب عقائدية و مرة يقولون لبسط الدولة وعاصمتها صنعاء ، و يُسَوِّقُونَها صباح مساء ، و ليس للجنوب ناقة و لا جمل من كل هذا الهراء ، فإذا بالجنوب بعد أن حرر أرضه بعزيمة أبناءه و همم الأبطال الأوفياء ، لم يرى تَغَيَّراً حقيقياً يُذْكَرُ أو أن شعبه قد هَنِأَ بحياة كريمة في جزء من أرضه مستشعراً نعمة النصر و الجلاء ، بل أصبح اليوم يحارب جيش استعمر أجزاء من أرضه التي حررها من محتل سلمها لمحتل آخر ، لذلك ما تزال كل الخصوم في مواقعها محلك سر ، فعن أي حرب تضحكون بها علينا يامن تقاسمتم الأدوار ، ولعبتم بنا لعبة القط و الفار .
ومالذي تحقق بعد قرابة تسع سنوات تجرع فيها الشعب أبشع أنواع المعاناة و الحرمان و فارق فيها الأحباب و الخلان ، حرب لم تحصد سوى عمر وصحة و حياة هذا الشعب ، لم تنتزع سوى حقوق و ثروات هذا الشعب ، حرب لم تستهدف سوى تدمير خدماته واحتياجاته الضرورية ، حرب مفلسة لكل معاني و أخلاقيات الحروب ، حرب مهلكة للحقوق وقاطعة للأرزاق ، و بالمقابل هي حرب مربحة لتجار الموت و لمتربصي الفرص في ظل غياب الدولة و تعطيل دور المؤسسات ، حرب أصبح أصغر زعمائها يحكمون دويلات وبنوك تغطي كافة النفقات ، والمجتمع الدولي الرخيص يعترف بهم و يسهل لهم كل التسهيلات ، والشعب وهو صاحب الحق و الحكم ، لاتبالي بمعاناته الدول المتشدقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان ، بل و تستخدمه كـ شماعة كحال المنظمات الدولية الحقوقية والمجتمعية التي تقتات سحتاً من آلامه و دمائه و صديد جراحاته و من كل قطرة عرق يكتوي بالحر ظُلْمَاً في ظَلْمَة الليل الحالك .

و ربما يقول قائل لماذا تتحدث عن الجنوب و تنتقد ما صار ويصير فيه دون ذكر للشمال ؟
فأقول و الجواب بكل بساطة ، لأن في الشمال تبينت ملامح دولتهم بكل ما فيها من سلبيات و ايجابيات ، وارتضى الشعب بهم حكاماً دون أدنى تظاهرة شعبية ، و بلع الثوريون ألسنتهم ، المغتربون في السعودية ، مصر ، قطر ، تركيا ، دول أوروبا ، أمريكا ، و سلطوا ألسنتهم و وجهوا بوصلتهم نحو الجنوب الذي حرر جزء من أرضهم ، كما و رفض (الجيش الوطني) قتال الحوثيين صوناً لأواصر القربى والنسب و القبيلة والدِّين و هذا حقهم وشأنهم ، إذن لمن يجهز كل هذا الجيش المدرب و الذي صرف عليه ما قيمته ميزانية دولة لعشر سنوات تسليحاً و تدريباً ؟
و أين يتمركزون ؟
لذلك أتحدث عن واقعي بحرقة ، عن تطلعاتي كجنوبي بلهفة ، أتشوق لملامح دولتي المغيبة المغدورة ، أتعجب كيف كنا يوم انْتَصَرْنَا ، وكيف أَصْبَحنا يوم انْتُصِرَ بِنَا ، فكيف بنا إذا انْتَصَرُوا علينا !!
و حتى أكون صادقاً مع الله ثم مع نفسي و احتراماً لمن منحني اهتمامه بقراءة مقالاتي ، فإني لا أرى أي أفق يجعلني أصف ملامحه ، إذ كيف ذاك وانا أرى الظلم و البؤس والقهر و الحرمان والفقر و الجوع في ملامح شعب الجنوب !!
و بالرغم من كل تلك الإرهاصات و التي قد يفهمها البعض على أنها من المحبطات ،
الا أنه لا تزال الفرصة مواتية لنا ، صحيح انها تحتاج لوقت طويل جداً حتى نحدث التغيير الجذري العميق للمنظومة العامة برمتها ، إذا أردنا أن نستمر في تحقيق هدفنا المنشود من الحياة ، شريطة أن يكون قائم على أساسات قوية ومتينة يملؤه الحب والأمل و اليقين بمستقبل قادم ، يُرَى ملامحه بوضوح كـ وميض وهاج ساطع و بالعين المجردة .