آخر تحديث :الأحد - 28 أبريل 2024 - 08:31 ص

كتابات واقلام


لن تستقر دولة مستقلة أو تقام دولة مستقبلية وسلطة الفساد محمية

الإثنين - 15 مايو 2023 - الساعة 09:54 م

محمد علي محمد احمد
بقلم: محمد علي محمد احمد - ارشيف الكاتب


إن الفساد آفة الشعوب و بلاء كل المجتمعات سواء الدول المستقلة عن المحتل الأجنبي و المستعمرة من المحتل الداخلي النخبوي العصبوي و الحكومي الرسمي ، أو الدول التي يبحث قادتها و ساستها عن استقلالها و إعلان دولتها في حين عجزت عن إعلانها تصفية بؤر الفساد المستشري ، و تنقية السموم التي في شرايين مجتمعها تجري ، و الذي يختبئ بين سطور بيان قادتها الثوري ، و على ملامح وجه شعبها المنهك ترسم صورة فساد الوضع المخزي .

و فساد أولئك سرطان و وباء قاتل خبيث فتاك
سقطت ضحيته دولٌ حاولت النهوضَ من الفقر ، و أمم أرادت أن تتحرر ، و شعوب ضحت و عانت و توجعت وضاق منها الصبر ، و ما زالت تلك الشعوب تئِن رغم تحقيقها للنصر ، نصر لم يكن بمستوى تضحياتهم و أبسط حقوقهم أصبحت محلك سر ، و بين الأحلام و الوعود تنثر ، و اليوم و قد بلغ السيل الزبى و الشعب من فسادهم و كذبهم قد مل و بهم كفر ، كيف لا وقد فشلوا في امتحانهم الأول و الأكبر ، و عجزوا عن تأمين أبسط خدمات البشر ، و طالما كلٌ يحمي الفاسد و عليه يتستر ، فمن يحاسب السياسيون و المسؤولون و المتنفذون و هم يضعون أيديهم على خزائن المال العام لسرقة ثروات البلد ، لتعود بالنفع لهم و على نخبة ضيقة و متـنفذة عبر السماح لهم بالحصول على الأموال و المزايا و تقديمِ مصالحِ أصدقائهم و أسرهم و حاشيتهم الغارقون في الفساد و الجريمة.

و هم بتلك الأفعال و التصرفات الرعناء الجشعة ، و أقبحهم من يفعل ذلك و يتحدثون عن الكرامة و الوطنية !!
تباً لهم فقد حرموا غالبية أبناء الشعب من فرصة المشاركة في ثروات بلدهم و النهوض من الفقر الذي يمثلُ حاجزاً في طريق تحسين الخدمات ، و شتى القطاعات كالتعليم و الصحة و النظافة العامة و غيرها، كما يغلق الطريق أمام الاستثمار الذي من شأنه توفير فرص عمل و يمنع كذلك تطوير المؤسسات التي يمكن للشعب أن يزدهـر من خلالها.

فالكهرباء مثلاً و ما أدراكم مالكهرباء ،، قصة مفضوحة رواتها لصوص محترفين و كتاب سيناريوهاتها فجرة مجرمين ، و منفذيها حثالات مأجورين ، وضحيتها شعب يبات في هَمٍّ و أرقٍ حزين ، و يصحو إن غلبه النوم من التعب في ضيق يقلب اليدين ، متمنياً لو طال نومه إلى يوم الدين ، بؤس ما بعده بؤس جراء استخفاف بضعة مفسدين من المسؤولين ، نُزِعَ مِنهُمُ الحياء و الدين ، فتراهم رغم عهرهم و نجاسة قلوبهم بالمظاهر يهتمون ، و في التلفزة و الصحافة بالكذب و الدجل يتشدقون ، و عن مشاريع الوهم و الإفك و المهازل يُصَرِّحُون ، و بربطات العنق و المعاطف الصوف يظهرون ، قبحهم الله من مسؤولين و كيف بمعاناة الشعب سيشعرون ، و مكاتبهم و سياراتهم و بيوتهم مُكَيَّفة في كل وقت و حين ، و حاجتهم و ملذات أولادهم ميسرة و في البنوك يدخرون ، إلهذا الحد وصلت بكم الدناءة و الفجور غير آبهين ، و حر الصيف في عدن يخلس أبدان الأصحاء من المواطنين ، ولولا الحياء من الله لخرجوا عراة في الشواطئ والميادين ، و أما الأمراض و كبار السن فمنهم من يموت من شدة الحر و ارتفاع الضغط و القلب و غداً سيكونون خصومكم أمام رب العالمين ، و منهم من تزداد حالته سوءاً و هم في كل ثانية يشكون ظلمكم إلى من حرم الظلم على نفسه و جعله محرم على العالمين .

و حل هذه المشاكل التي أنتم سببها ، إن أردتم الحل بصدق ، و إن كنتم تؤمنون بأن الله عليكم رقيب حسيب ، يكمن في الحكم الرشيد و الشفافية و فرض القانون ، عبر بناء منظومة قوية و مؤسسات يمكنها مواجهة هذه المشاكل و توفير الخدمات الجيدة التي يستحقها الشعب ، و كذلك من خلال تقارير الرقابة و المحاسبة المغيبة تماماً عن المشهد و تفعيل و إعادة دورها ، و كذا التحقيقات الصحفية المستقلة ، والتي للأسف باتت صحافتنا اليوم بعيدة عن معاناة شعبها ، و كل يغني على ليلاه ، فأصبح الفاسدون بدل أن يخيفهم قلم الصحفي الحر الشريف الشجاع ، أصبحوا يمررون فسادهم عبر تلك الوسيلة الإعلامية بكل وقاحة و بأجمل الألقاب و أرقى توصيف ينالهم و بعنوان عريض !!
و اندثرت كذلك النقاشات المجتمعية المفتوحة التي تكشف ممارسات الفساد و الأفراد المتورطين فيها ، و تبددت الديمقراطية الحقيقية و الشفافية المطلقة التي لا تعرف المحاباة و التعصبات ، لذلك لا يمكننا التجرأ بمقاضاة المتهمين بالفساد ، حتى في حالة ثبوت الاتهامات عليهم ، لأن الفساد أصبح وصمة عار عليهم أجمعين ،
بل ربما يتم التعدي على الناقدون لفسادهم و فصل المخلصون من وظيفتهم أو تهميشهم و محاربتهم ، و اتهامهم بتهم كيدية لإذلاله و كسره و انتهاك كرامته ، و جرمهم الوحيد هو حبهم لوطنهم و شعورهم بألم و جرح ومعاناة شعبهم .

و مع كل ذلك الإحباط والواقع البئيس التعيس ، إلا أنه بإمكانكم التكفير عن ذنبكم في حق أنفسكم و شعبكم و خالقكم بالعودة إلى الله و إلى جادة الحق والصواب و ذلك بترتيب شؤون العباد و و تحقيق احتياجاتهم من مطلق التأسيس لدولة مستقرة قبل أن تقفزوا إلى مطلب الدولة المستقلة و التي لا يمكن بحال من الأحوال أن تتحقق إلا بتحقيق الإستقرار في كل جوانب الحياة المعيشية ، ليتم فيها تقديم الخدمات بمستوى يليق بآدمية الشعب كبقية الشعوب الحرة ، وكذا الإهتمام بالتعليم و الرعاية الصحية و تحقيق الأمن والمساواة و المدنية و النهضة في جميع القطاعات الخدمية و الحيوية

لكنّ .. مفتاح ذلك كله هو الإقتصاد الذي لا يمر بأزمة كما تَدَّعُون ، فمن يقولون ذلك هم المأزومون و هم المهزومون لا المنتصرين ، لأن أزمة الإقتصاد الحقيقية مفتعلة و بأيديكم الحل أن تنهضوا بها ، لا أن تركنوا إلى استجداء العطاء من الخارج بذل و مهانة تعكس ضعف القيادة و حلم الدولة
و لأنكم تركتم فئام من فاقدي الأخلاق عديمي الضمير و الذمة على هرم السلطة و المسؤولية ، يعبثون و يعيثون فساداً في مصير هذه الأمة دون ردع و لا حساب و لا محاكمة و عقاب علنية .

لذا فإن مواجهة الفساد و الجريمة و اللامبالاة بالمسؤولية يجب أن يكون من صميم رؤية و برنامج و أولية أي مشروع كان فك ارتباط عن دولة مركزية ، أو مشروعاً ثورياً ديمقراطياً أو تكتلاً شعبياً أو تشكيل حكومة وطنية و تأسيس الدولة المستقبلية ، و ما عدا ذلك فهو تكريس للفساد و تمديد للظلم و الإضطهاد و نهاية حتمية لمشروع التحرر من الإستعباد ، و ستسلب منكم كل ما لديكم من سلطة و قوة ، وسندخل جميعاً في نفق مظلم و فوضى عارمة و قحط و قتل بلا رحمة و إنسانية و مجاعة و وحشية ، و ستندمون أشد الندم يوم لا ينفعكم ندم على كل فرصة كانت سانحة و مهيأة بالظفر و لو بحفظ ماء وجوهكم و الإيفاء بعهودكم التي نقضتموها و قطعتموها للذين جعلوا من دمائهم وقوداً لشعلة النصر والتمكين و من أرواحهم أعمدة في بطن التراب لتسيروا بثبات على أجسادهم الزكية الطاهرة ، نحو خلاص شعبكم المكلوم من سجنه و تعذيبه ، و حقه في العيش بسعادة و كرامة و حرية .