آخر تحديث :السبت - 27 أبريل 2024 - 06:02 م

كتابات واقلام


إجعلوا من ذكرى النصر المبين رسالة تأكيد عنوانها"التمكين"

الخميس - 20 أبريل 2023 - الساعة 03:16 ص

محمد علي محمد احمد
بقلم: محمد علي محمد احمد - ارشيف الكاتب



بالأمس انتصرنا بعد كفاح و تضحيات و ألم و حزن و جراح و عذاب أليم ، فأصبحت حينها أرضنا بأيدينا و ثرواتنا نحن من يديرها
فإذا بعد كل هذا الصبر و بعد كل تلك المعاناة
نهدي تضحياتنا و دماء شهدائنا الزكية و حرقة و قهر خَيَّمَ في بيوتنا و بطبق من ذهب إلى ثلة مراهقة و أناس تقمصوا دور القادة فازدحمت القائمة بأعداد هائلة منهم و كل منهم توجَّهَ إلى بسط نفوذه لكسب نصيبه من الفيد ليتقاسموه فيما بينهم ، و كأنهم غزاة لا محررين شرفاء حافظوا على خيرات البلد الذي سقط لأجله الأحرار و ناضل فداه الثوار لحمايته من عبث العابثين و سطو المحتلين ..
و استمر العبث ونحن كشعب ننظر إليهم بصمت ، بل إن منا و بكل سخف و وقاحة من ذهب إلى مؤازة ذلكم (القائد) أو ذاك و كل من اولئك المسمون ( قادة) للأسف يدعي وصلاً بهذا الوطن زوراً و بهتاناً ..
و لو كنا شعب حر و محب لوطنه الجنوب لحافظنا على نصرنا و منعنا كل أشكال الزعامة الصورية تحت عباءة البلطجة والمناطقية إكراماً و تقديرا لكل المناضلين الشرفاء في كل شبر من جنوبنا الحر الذين خاضوا معركة النصر ليس لكسب مصالح خاصة بل باعوا أنفسهم رخيصة لهذا الوطن و روت دمائهم الزكية لتثمر بها أشجار الحرية و الكرامة لينعم تحت ظلها كل مواطن و مواطنه ..

و إذا بنا نتحسر على كل ما فرطنا به
لأننا من صنع لأنفسنا واقع مذل مهين ، سنظل نشكو منه طويلاً و بمرارة شديدة
بقدر حلاوة النصر الذي حققناه بالأمس و لم نستثمره بحكمة و قيادة و كياسة ، إذ لم نهنأ به لنعوض سنوات عجاف قاسية مؤلمة مرت بنا .

نعم بالأمس انتصرنا على المحتل و اخرجناه من وطننا و حررنا كل ذرة تراب وطأته أقدام عدونا ، و لكنا لم ننتصر على العدو الذي بداخلنا على أهوائنا و فوضوية قراراتنا ، لم نترجم نصرنا لواقع يسمو بنا و يظهرنا بحق أننا رجال دولة و أصحاب مطالب قانونية مشروعة ، و كيف لنا أن نقدم هكذا إنموذجاً و نحن لم نحتكم في أرضنا المحررة إلى قانون الدولة ، و غيبنا كل جوانب القيم الإنسانية و ألغينا كل مظاهر التمدن و المدنية و سلطة الدولة
و اذا بكل قائد جمع له نفر حوله يصبح هو الدولة وفوق القانون ، وكل منهم له قانونه الخاص الذي يناسب مطامعه و يرضي غروره ، يدوس على كل من يعترض طريقه و مصالحه الشخصية ، بلا خوف من الله ولا من عباده ولا رادع في ظل قانون الدولة و هيبة السلطة العامة الضابطة ، و تعددت السلطات الخاصة الفوضوية التي لا تربطها أي صلة بمفهوم الدولة ، ما حصل لنا من وأد لفرحة النصر لم يكن أمراً سهلاً ، إذ سبقنا و تفوقنا بامتياز مع مرتبة البلادة على فوضوية و هيمنة و بلطجة نظام صنعاء الذي لأجله ثرنا و انتفضنا و قدمنا قوافل من القربان الآدمية للعودة لسلطة النظام و القانون و عدالة الدولة الرشيدة ، فإذا بنا نضيع من أيدينا كل مفاصل الدولة ، فأحدث ذلك فجوات عديدة دخل منها المتربصون بنا ليفقدونا لذة الإنتصار و الأمل بعودة دولتنا المستقلة و بها عودة حقوقنا و في مقدمتها كرامتنا و الحياة الكريمة دون منغصات و لا أزمات و لا حرب الخدمات ، فاستطاع اولئك المتربصون الباحثون عن وعاء يحفظ لهم كرامتهم و سيادتهم بعد أن طردوا من دورهم بشكل مهين ، وجردوا من سلطتهم السابقة ، فإذا بهم بعد ذلك يصنعون من جهل قادتنا مجدهم و هاهم اليوم وقد ادخلونا في غياهبهم ، و لم يرعوا جميل ما صنعنا لهم من معروف باحتضاننا الغبي لهم ، بل تركونا في ظلمات تلك الغياهب السحيقة وهم نجوا بأنفسهم و استقووا بنا و صاروا ينازعوننا في حقوقنا و في أرضنا و يتحكمون بمصيرنا بعد أن كنا أصحاب القرار وحدنا .

و لازالت فصول هذا المسلسل مستمرة ولازالوا يسيرون نحو هدفهم الذي رسموه و تحقيقه القائم على حسابنا ، فيما بعد كل هذا المخاض ، وكل تلك الفرص التي أهدرناها ، جاءت صحوتنا و شعرنا بندمنا ، و خير أن تأتي ولو متأخرة تلك الصحوة وهذا الندم على أن نبقى أسرى أحلامنا الوردية ، و لا نعني بكل هذا السرد أننا قد فقدنا الأمل بقدراتنا ، بل هي كفيلة بأن نستعيد مجدنا ، إن رسمنا خارطة نجاتنا ، بعقولنا لا بعواطفنا التي كانت سبب نكستنا و تقهقرنا عن تحقيق هدفنا .
رحم الله شهدائنا الأبطال من عامة الشعب الثائر الصادق ، من سطروا ملاحم البطولة و تصدوا بكل عنفوان و إباء لجافل الغزاة في كل شبر من أرض الجنوب الحر بقلوب السباع الشرشة قبل البنادق ..
و لتكن ذكرى تحرير عاصمتنا الحبيبة عدن نقطة انطلاق و منهج حياة و خارطة طريق للسير بثبات الجبال الراسية و همم عالية ، و رؤوس شامخة ، بعيداً عن الإنهزامية ، نحو تحقيق مضامين ذلكم النصر المبين ، فأخلصوا النية و شدوا الهمة و لا تركنوا إلى أحد سوى إلى الله ثم بإرادتكم و عهدكم الذي قطعتموه على انفسكم و إلى شعب صامد خلفكم تواق للحرية و الكرامة و الإستقلال
والنصر بعون الله حليفنا .