تسبب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب تصنيف الجماعة الحوثية «منظمة إرهابية أجنبية» في عودة الجدل حول تأثيراته على الوضع الاقتصادي والأزمة الإنسانية في اليمن؛ حيث الصراع الممتد لأكثر من عقد، إلا أن التحذيرات من مفاقمة تلك الأزمة لم تتكرر، كما حدث في السنوات السابقة.
وفي حين رحَّب مجلس القيادة الرئاسي اليمني والحكومة بهذا القرار، وأبديا التزامهما بالتعاون الوثيق مع الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي لتنفيذ القرار، باعتباره يعكس تفهماً حقيقياً لطبيعة الخطر الذي تمثله هذه الجماعة على الشعب اليمني والأمن الإقليمي والدولي؛ شددا على ضرورة تقديم الضمانات اللازمة لتدفق المعونات الإنسانية دون أي عوائق.
ودعا رشاد العليمي رئيس المجلس إلى نهج جماعي عالمي، لدعم حكومته في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وخصوصاً القرار 2216، ورأى أن التساهل مع أعداء السلام يعني استمرار الأعمال الإرهابية؛ كما بحث مع محافظ البنك المركزي أحمد غالب، سبل ضمان تدفق المعونات الإغاثية في عموم البلاد، والحد من أي تأثيرات للقرار على القطاع المالي، وفقاً لوكالة الأنباء الحكومية (سبأ).
وفي هذا السياق، يرى جمال بلفقيه منسق عام اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية، أن قرار ترمب المتزامن مع إيقاف الأمم المتحدة أنشطتها في مناطق سيطرة الجماعة، ومع توجيه مجلس القيادة للحكومة بإعادة تشكيل هيئة عليا للإغاثة كنافذة واحدة، يوفر فرصة لإعادة تنظيم العمل الإنساني والإغاثي في اليمن، بما يمكن من تسهيل عمل المنظمات الإنسانية، ووصول المساعدات إلى جميع المناطق بشكل صحيح وكافٍ.
وحسب حديث بلفقيه لـ«الشرق الأوسط»، فإن كل ذلك يوفر فرصة للعمل على أسس اللامركزية والرقابة والمتابعة، والاستفادة من المبالغ المالية مهما كان حجمها، لبيان الأثر على أرض الواقع، بنقل عمليات الإغاثة والمكاتب الرئيسية للمنظمات العاملة في اليمن إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، وتوريد المبالغ المخصصة لها إلى البنك المركزي في عدن.
تحسين جودة الإغاثة
وشهدت السنوات الماضية مركزية صارمة وسيطرة حوثية على المساعدات، سواء على الأموال التي تم توريدها إلى البنوك التي تسيطر عليها الجماعة، أو على المساعدات التي وصلت إلى المواني الواقعة تحت إدارتها، وهو ما تسبب في تخفيض كبير لكمية المساعدات الموجهة إلى البلاد، طبقاً لبلفقيه.
وأشار إلى أن سيطرة الجماعة الحوثية على العمل الإنساني تسببت في تراجع التمويل، ودفعت الأمم المتحدة إلى طلب مبالغ لإغاثة نصف عدد المحتاجين في البلاد، ضمن خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، بينما يمكن أن تتم أعمال الإغاثة بشكل أفضل، وعلى نحو عادل، بعيداً عن المركزية المشددة، تحت إشراف الحكومة الشرعية والهيئة العليا للإغاثة.
ويلاحظ أن الجهات الإغاثية ومنظمات العمل الإنساني لم تعلن عن مخاوفها من تأثير القرار الأميركي على العمليات الإنسانية والإغاثية، كما حدث عند صدور قرار شبيه لترمب عند نهاية ولايته الأولى في مطلع عام 2021، وهو ما يمكن تفسيره باختلاف الحيثيات والدوافع خلف القرارين؛ خصوصاً بعد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، واختطاف موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
ويذهب إيهاب القرشي، الباحث اليمني في الشؤون الاقتصادية والإنسانية، إلى أن قرار تصنيف الجماعة الحوثية منظمة إرهابية لن يؤثر سلباً على المستوى المعيشي المتردي في اليمن؛ بل سيفتح آفاقاً جديدة للتركيز على وسائل عمل إغاثية وتنموية جديدة دون ارتباط بالجماعة، ما سيخلق نموذجاً جديداً في الإغاثة والتنمية والسلام.
ويوضح القرشي لـ«الشرق الأوسط» أن هذا التصنيف سيجعل المساعدات تتدفق في قنوات واضحة كي لا تصل إلى الجماعة التي حوَّلت المساعدات خلال 10 سنوات إلى أسلحة تقتل اليمنيين، وعنصر تحكمٍ في تسخير الشباب والأطفال للقتال حتى ضد مصالحهم، مشترطاً إعادة هيكلة الهيئة العليا للإغاثة التي سيكون لها أثر بالغ الأهمية في توجيه المساعدات إلى المستهدفين الحقيقيين بها.
ونوَّه إلى أنه لم تعد هناك منظمات كثيرة تتعامل مع الجماعة الحوثية بالشكل نفسه أو المستوى السابق، بسبب تراجع التمويل وتوقف أنشطة أهم البرامج، وهو برنامج الغذاء العالمي، المتعلقة بالمنح الغذائية من جهة، ومن جهة أخرى بسبب القيود والاعتقالات التي مارستها الجماعة بحق موظفي تلك المنظمات.
خطوة صحيحة أم عقاب جماعي؟
وأقدمت الجماعة الحوثية على اختطاف مزيد من موظفي المنظمات الدولية والأممية، بعد صدور القرار الأميركي، بالتوازي مع إفراجها غير المشروط عن طاقم السفينة «غالاكسي ليدر» التي اختطفتها في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام قبل الماضي، وإطلاق سراح عدد من المحتجزين لديها من المناهضين لنفوذها.
ويصف مطهر البذيجي، المدير التنفيذي للتحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان (تحالف رصد)، القرار الأميركي بخطوة في الطريق الصحيح، من أجل تضييق الخناق على قادة ومسؤولي الجماعة الحوثية، وتجفيف منابع الدعم للحركة التي ساعدت على بقائها خلال العشرية الماضية من عمر الحرب في اليمن، ومكنتها من ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.
وينفي البذيجي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تكون هناك تأثيرات كبيرة على مستوى المساعدات الإغاثية والإنسانية؛ لأن الجماعة الحوثية جردت العمل الإنساني من مهامه الحقيقية، وسيطرت عليه ووجَّهته لمنفعة أتباعها ودعم مجهودات الحرب.
وبيَّن أن المجتمع المدني في اليمن ينظر إلى القرار بإيجابية، وأن يكون بداية لتحقيق المساءلة وتقديم مسؤولي انتهاكات حقوق الإنسان للعدالة، بعد العقاب الجماعي الذي أوقعته الجماعة بالسكان، ومن ذلك قطع الرواتب وفرض الجبايات والضرائب، وحصار المدن والأرياف، وقصف الأحياء السكنية وقتل سكانها، وزراعة الألغام والاختطافات.
ويتوقع مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (منظمة محلية)، أن يؤثر القرار الأميركي على الاقتصاد في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي تهيمن على الكتلة السكانية الأكبر في البلاد، وبالتالي على غالبية الأنشطة الاقتصادية في البلاد؛ حيث خص القرار هذه الأنشطة بالعقوبات، وهو ما سيؤثر مباشرة على القطاع المصرفي في هذه المناطق، ويزيد من عزلته.
كما يرجح في إفادته لـ«الشرق الأوسط» أن يصعِّب القرار من وصول المنظمات التي تقدم المساعدات الإنسانية إلى السكان في مناطق سيطرة الجماعة، ويعقِّد من توجيه التحويلات المالية، ما سيؤدي إلى تأثير كبير على السكان، في مقابل تأثير أخف على الجماعة الحوثية؛ خصوصاً مع عدم اهتمامها بالسكان ومعاناتهم.
ولا يُفهم ماذا يخفي القرار وراءه وفقاً لنصر، هل هو ضمن ضغط على الجماعة لوقف أنشطتها وعملياتها التي أضرت بالتجارة العالمية، أم في سياق توجه لإنهاء نفوذها تماماً، وهو ما سيتطلب قرارات وإجراءات أخرى.
ويخلص الباحث اليمني إلى أن حل الأزمة اليمنية وإنقاذ السكان الذين تتخذهم الجماعة الحوثية كرهائن، لا يمكن أن يحدث بالعقوبات؛ بل بإنهاء الأزمة السياسية في البلاد تماماً، سواءً بالحسم العسكري أو بالحل السياسي السلمي.