آخر تحديث :الجمعة - 03 مايو 2024 - 07:46 م

تحقيقات وحوارات


ميناء إصطياد عدن..القصّة الكاملة

الثلاثاء - 23 أبريل 2024 - 07:06 م بتوقيت عدن

ميناء إصطياد عدن..القصّة الكاملة

تقرير/ محمد النجار

تشتهر بحار اليمن بتنوّع بيئي فريد وشعاب مرجانية تمتد من غرب المحيط الهندي إلى منتصف البحر الأحمر تقريباً، هذا التنوع البيئي جعلها مرآعي طبيعية جاذبه لاعداد هائله من الأسماك والأحياء البحرية ، مُشكّله مخزون سمكي ضخم جعل بلادنا في مَصَافي بُلدان العالم من حيث الإنتاج السمكي، حيث يُقدّر إنتاج الكيلو متر المربع البحري (2.7) طن من الأسماك والأحياء البحرية.

هذه الثروة الطبيعية التي مَنحها الله لبلادنا، أستوجبت إقامة مؤسسات ومُنشئات سمكية متكاملة تخدم البلد والعاملين بالقطاع السمكي وتنظم هذا المورَد الهام، وكغيرها من بلدان العالم، سَعت بلادنا لإقامة ميناء سمكي يستوعب سُفن الإصطياد بإحجامها المختلفة، ويوفر لها كل الخدمات التي تحتاجها من الابحار إلى الرسو والتفريغ.

*البدايات الأولى*

أَسفرت تفاهُمات بين بلادنا والإتحاد السوفيتي عن موافقة الاخيرة على تمويل إنشاء ميناء للإصطياد السمكي بمفهومه العَصرِي، كانت منطقة حجيف بمديرية التواهي بالعاصمة عدن هي المنطقة التي تم إختيارها لإقامة هذا الميناء، و لعمل الدراسات والتصاميم الهندسية تم نزول خبراء روس إلى جانب مهندسي بلادنا ، والذين استطاعوا إستكمال الأعمال الهندسية وتقسيم موقع الميناء والاستفاذة من كل المساحة التي خُصصت لإقامته والبدء بالتشييد.

صحيح أنّ العمل في تشييد ميناء الإصطياد استمر لسنوات ، إلا أن المُخرَج النهائي كان مُبهِراً للجميع، فقد تم تعميق الميناء ليستوعب سفن الإصطياد بأحجامها المختلفة، أمّا الميناء والذي تم إقامته على مساحه إجمالية قُدّرت ب ٩٦ الف متر مربع فقد كانت مواصفاته توازي الموانئ العَصرِيه بمفهومها الحديث.

*أقسام ومكونات الميناء بعد افتتاحه*

أُعتبر عام 1986 للميلاد هو الانطلاقة الأولى للتدشين الرسمي لعمل ميناء الإصطياد، كان حِينها يتكون من عدّة ساحات ومرافق ومباني خُصصت لأغراض مُختلفة، كان الرصيف هو رئة الميناء الذي يستقبل فيها السفن للقيام بتفريغ او شحن الأسماك بالاضافة إلى تموينها باحتياجاتها والذي بلغ طوله آنذاك ٥٣٠ متر ، وللخزن الاستراتيجي للأسماك وإخراجها أوقات شِحّت الإنتاج لتلبية حاجة السوق وتصدير ما زاد منها للخارج تم إقامة مبنى ضخم يحتوي على صالات لإستقبال وتحضير وتجميد الأسماك لتنتقل بعدها إلى ثلاجة الخزن المركزية والتي كانت تستوعب الفين طن من الأسماك والأحياء البحرية، كما يضم المبنى مصنع يقوم بإنتاج ٥٠ طن من الثلج يومياً بالاضافة إلى أقسام مختلفة احتضنها هذا المبنى والذي يُعتبر قلب الميناء.

ليس هذا وحسب بل يتواجد في الميناء حوض عائم لصيانة السفن وورشة فنيّة مركزية لإصلاح السفن تم تزويدها بمكائن والالات صُنّفت آنذاك بأنها متطورة ، بالإضافة الى ورشة نجارة ومصنع لصناعات الفيبر جلاس، جُلب لتلك الورش والمصانع أَمهَر المهندسين و الفنيين الذين شَهد لهم القاصي والداني ببراعة وإتقان عملهم.

*المباني الإدارية*

لإدارة الميناء ثم تشييد ثلاثة مباني حديثة إحداها نُقلت وزارة الثروة السمكية إليه، بينما الآخر للطاقم الاداري للورش كما أُقيمت فيه مرافق لخدمة عمال الميناء كعيادة صحية متكاملة ومحل لبيع الأسماك الطازجة وغيرها الكثير، امّا المبنى الثالث وهو الأصغر أُعطيَ لمؤسسة الإصطياد الساحلي، كما كان هناك مستودعات كبيرة تتبع الميناء، ومُعدات وشاحنات لنقل الأسماك ، المُدهش في الأمر انّ التصميم الهندسي والمواد المستخدمه في تشييد الميناء جعلته مقاوم للكوارث الطبيعية المُختلفة.

*اسطول من سفن الإصطياد*

أمتلك ميناء الإصطياد اسطول من السفن التي كانت تُبحر في المياه الإقليمية لبلادنا، وتصطاد أجود أنواع الاسماك والاحياء البحرية وتفرغ حمولتها في الميناء، فقد ازداد اعدادها عامً بعد آخر حتى فاق عددها العشرين سفينة متنوعة الأحجام ومُختلفة المُسميات، صيرة، شقره، سقطرى، بروم، نشطون ،قصيعر، والقائمة تطول كلها أسماء سُفن تتبع الميناء ويَتفاخر الميناء بها.

*إدارة الميناء*

كثيرة هي المؤسسات السمكية الحكومية التي تولّت إدارة ميناء الإصطياد فكبر مساحة ومرافق الميناء جعل تلك المؤسسات تتقاسم وتتعاقب على إدارته، كانت الهيئة العامة للمصائد السمكية في خليج عدن والتي أُنشئت نهاية عام ٢٠١٠ للميلاد هي آخر من أُوكل إليها مهمة إدارة الميناء لتنتقل إليها كل أُصوله ومُمتلكاته والذي لازال يخضع لإدارتها حتى يومنا هذا.

*النقصان بعد الكمال*

لسوء حظ الميناء ان دَروَة نشاطه وإزدهاره استمرت خمس سنوات فقط بعد افتتاحه، فمع مطلع تسعينيات القرن الماضي ونتيجة لتوجه الدولة للرأسمالية ودخول القطاع الخاص للإستثمار في القطاع السمكي لم تستطع المؤسسات التي كانت تُدير الميناء من مواكبة هذا التحوّل، مما تسبب في تراجع نشاط الميناء و إهماله وبيع بعض اصوله للمستثمرين حتى أنتهى اسطول السفن التي كان يمتلكها بالكامل، وضعف دور الورش المركزية التي تتبعه، في حين ضلّت الثلاجة المركزية للميناء تقاوم للبقاء رغم عدم وجود صيانة لها، بينما ساحاته هي الأخرى كانت هدف لبناء بعض الملحقات كالثلاجات الصغيرة والمخازن، بحجة تأجيرها والاستمرار بتشغيل الميناء.

كانت الحسنة الوحيده التي ظَفَر بها الميناء هي توسعة صغيرة لرصيف المينا،ء لكن الإضافه الأبرز كانت نقل مختبر فحص جودة الأسماك إلى حَرم ميناء الإصطياد عام ١٩٩٩ م، كان الدور المُناط به هو إجراء فحص على الأسماك والأحياء البحرية وإصدار شهادات صحيّة لشُحنات الأسماك تمهيداً لتزويد السوق المحلية بها او تصديرها للخارج.

*من رافد إقتصادي للدولة الى مقبرة للسفن*

عام ٢٠١٠ كان الميناء على موعد شكّل إنحدار خطير في تاريخه، حيث أُقفلت الثلاجة المركزية نهائياً بسبب ارتفاع اسعار وقود المولدات الكهربائية التي تُشغلها، لتأتي حرب الفان وخمسة عشر وتَشل حركة الميناء وتُدخله متحف التاريخ والخراب أيضاً، فقد تضررت مرافقه بشكل كبير، بينما رصيف وحوض الميناء أصبح مقبرةً للسفن الغارقة والتي وصل عددها اثنان وعشرون سفينة إصطياد.

*جهود الوزير السقطري للنهوض بالميناء*

بعد تحوّل ميناء إصطياد عدن إلى مأوى للغربان الناعقة ها هو شعاع الأمل يُشرق فيه من جديد، فمعَ تسلّم اللواء سالم السقطري لحقيبة وزارة الزراعة والري والثروة السمكية عام ٢٠٢١ وضع خطّة مدروسة لإعادة الوزارة والميناء إلى سابق عهدها، كان أول خطواته هي إعادة ترميم مبنى الوزارة ونقل طاقمها إليه، تلاها استغلال بقيّة مباني الميناء لتفعيل دور هيئة مصائد عدن والمؤسسات الاخرى كصندوق التشجيع الزراعي والسمكي ومركز المعلومات والمختبر وتزويده بالأجهزة المتطورة لفحص جودة الأسماك والمواد الزراعية واستخراج شهايد صحية لها مطابقة للجودة والمواصفات المعمول بها عالمياً.

كان التحدي الأصعب هو سُفن الإصطياد الغارقة في حوض الميناء والتي اعاقت إعادة تأهيله وتشغيله، إنتزاع الوزارة حكم قضائي من المحكمة ببيع السفن كحُطام بحري وإخراجها هو أكبر إنتصار للميناء، ولمتابعة إنتشال السفن وإعادة تأهيل الميناء ومرافقه عَمد الوزير السقطري إلى تعيين إدارة جديدة لهيئة مصائد عدن برئاسة الدكتور عبدالسلام قادرة على إدارة هذه المرحلة الصعبة ، والذي استطاع بكل جدارة إنتشال الميناء من وضعه القاتم ، فأعمال إخراج السفن الغارقة وتأهيل الورشة الفنية والعيادة الصحية وبقية معدات الميناء تمضي قُدماً وبوتيرة عالية.

لأن تأهيل الميناء يحتاج مبالغ ضخمة أستطاع الوزير السقطري نيل ثقة المانحين والذين رصدو ٣٥ مليون دولار لترميم الميناء، حيث أُجريت الدراسات الهندسية، على أن يبدأ الترميم خلال الأسابيع القليلة القادمة، بهدف تشغيل الميناء والذي كان يوماً ما يُعتبر أكبر منشأة اقتصادية وسمكية في الوطن.