آخر تحديث :السبت - 27 أبريل 2024 - 11:49 ص

من تاريخ عدن


في حضرة الرئيس سالمين .. رئيس اللجنة الفرعية للبعثات في عدن

الجمعة - 23 فبراير 2024 - 08:55 م بتوقيت عدن

في حضرة الرئيس سالمين .. رئيس اللجنة الفرعية للبعثات في عدن

احمد محمود السلامي

كان هذا في يوليو عام ١٩٧٦م عندما صدر في العاصمة عدن قرار مجلس الرئاسة قضى باستحداث لجان بعثات في المحافظات مهمتها ترشيح خريجي الثانوية العامة للدراسة في الخارج من من أدوا الخدمة  - التدريس لمدة عام - تكونت اللجنة من : سكرتير أول لجنة المحافظة لمنظمة التنظيم السياسي الجبهة القومية رئيساً محافظ المحافظة عضواً ، مدير التربية والتعليم عضو مقرراً ، ممثل عن نقابة المهن التعليمية عضواً و ممثل عن اتحاد الطلبة عضواً . وكان سبب استحداث هذه اللجان هو إعطاء كل محافظ نسبة من المنح الدراسية تم إقرارها من قبل القيادة السياسية . إضافة إلى تلك اللجان كانت هناك لجنة عليا للبعثات الدراسية يرأسها وزير التربية والتعليم ، وسكرتيرها كان الأستاذ عبدالعزيز إبراهيم مدير إدارة العلاقات الثقافية في وزارة التربية والتعليم ، وهو الذي كان يقوم بكل إجراءات سفر الطلبة والطالبات الذين أقرت أسمائهم .
الرئيس سالمين بالإضافة كونه رئيس مجلس الرئاسة والأمين العام المساعد كان أيضا سكرتير أول منظمة التنظيم السياسي في م / الاولى (م /عدن) ، وهذا يعني أنه هو الذي يترأس اللجنة الفرعية للبعثات في المحافظة .
أنا في تلك السنة انتخبت عضواً في الهيئة الإدارية للاتحاد الوطني للطلاب ومسؤولاً للنشاطات وبحكم اني انهيت الثانوية العامة كنت شبه متفرغ للعمل في مقر الهيئة الذي كان يقع وراء إدارة الهاتف بالمعلا .

في عصر إحدى الأيام بينما كنت في مكتب الهيئة استلمت اتصال من مراسم الرئاسة يؤكد ضرورة حضور مندوب من قبلنا الاجتماع الذي الاول للجنة البعثات الفرعية ، كان الوقت قصير جدا يا دوب يكفي للمواصلات والمشي حوالي كيلومتر من بوابة الرئاسة والمرور بنقاط الحراسة الثلاث .. ولهذا تحركت فوراً ووصلت هناك ووجدت بقية أعضاء اللجنة في الانتظار  للدخول مكتب الرئيس حيث سيعقد الاجتماع وهم : المحافظ طه احمد غانم و عبدالصمد محمد ناصر مدير التربية والتعليم و سالم سعيد القبيلي ممثل نقابة المهن التعليمية ، وبعد انتظار لابأس به فتح باب مكتب الرئيس في الدور الارضي وسمحوا لنا بالدخول الى غرفة واسعة في يسارها تمتد طاولة اجتماعات كبيرة على جانبيها كراسي خشبية بمساند مغطاة بالجلد ، الرئيس كان جالساً على كنبة أمام مكتبه يراجع بعض الأوراق مع أحد كبار الموظفين ، ــ عرفت فيما بعد أنه مطلق عبدالله حسن المستشار القانوني للرئاسة ــ
بعد إلقاء التحية الرفاقية أشار لنا المراسيم بالجلوس إلى طاولة الاجتماعات في الطرف الأقرب لنا ، لفت انتباهي وجود خريطة سياسية ملونة لأمريكا اللاتينية بإطار خشبي كانت موضوعة بجانب الجدار القريب منا و ثبت عليها دبوس برأس احمر يشير للعاصمة التشيلية سنتياجو يبدوا أن قيادة الدولة كانت مهتمة بما يجري في تشيلي ، وما يقوم به نظام الجنرال أوغستو بينوشيه قائد الانقلاب العسكري على الرئيس التقدمي سلفادور الليندي واعدامه .
نهض الرئيس سالمين بعد أن اكمل ما بيده واتجه نحونا ، نهضنا نحن الأربعة سريعا وصافحناه و جلسنا وبدأ الاجتماع  .
بعد مراجعة عدد من الكشوفات الأسماء وتقسيمها للبدء في استعراضها ، أشار مدير التربية إن هناك رسالة (سرية جداً) موجهة من لجنة مديرية الشعب للتنظيم السياسي الموحد ، طلب منه الرئيس سالمين قرأتها ، الرسالة بعد الديباجة طلبت من الاجتماع عدم ترشيح الطالب خالد ثابت عثمان للدراسة في الخارج نتيجة نشاطه المعادي ضمن حزب البعث العراقي المحظور .
كنت اعرف خالد حق المعرفة وهو من الطلبة المتفوقين في مراحل الدراسة ، المفروض ادافع عنه كوني ممثل لاتحاد الطلبة ، ولكني لا املك دليل قوي يدحض هذا الاتهام الخطير رغم أنني متأكد انها رسالة كيدية ، لكني شككت فيها بطريقة فنية حيث  قلت على الفور : هذه الرسالة ناقصة . قالوا كيف ناقصة ؟ قلت  : لم تذكر أن هذا الطالب حصل في امتحانات الثانوية قسم علمي على المركز الثالث على مستوى الجمهورية . دهش الرئيس ووجه سؤاله إلى مدير التربية قائلاً : هل هذا صحيح ؟
قال : نعم . رد سالمين : هذا مشروع عَالِم ولا أعتقد أن عنده الوقت للتحزب والعمل السري ، لازم يسافر ، كيه افتح منح المانيا ، ايش من تخصصات .
رد  مدير التربية : هندسة ، طب  ، اقتصاد  ، بيطرة . قاطعه الرئيس سجله ضمن منح الطب البشري .
وفعلا سافر خالد إلى مدينة لايبزج في المانيا وتخرج طبيباً ، وعاد إلى عدن وكان من المفروض أن يتعين معيدا في كلية الطب ولأنه ليس لديه واسطه (ظهر قوي) عينوه طبيباً في مستشفى باصهيب العسكري برتبة ملازم أول ، وبعد أن تزوج عاد مرة أخرى إلى ألمانيا ليتخصص في المسالك البولية ، وبعد الوحدة انتقل الى المستشفى العسكري بصنعاء وعاش مع عائلته هناك إلى أن أصيب اول مرة بجلطة دماغية خفيفة عام 2001م ، لكن الجلطة الأشد كانت عام 2010م التي أودت بحياته وهو في عمر 55 سنة .
ينتصب سؤال هنا .. من كان وراء الرسالة ، ولماذا ؟
خالد كان زميلا لي في الإعدادية والثانوية وكنا اصدقاء نتبادل الكتب الثقافية والروايات لقراءتها ونتناقش في بعض الأمور العامة ، جمعتنا قواسم مشتركة مثل الهدوء والتفكير المنطقي وعدم التهور أو المزايدة ، كنا نكره الباطل ، وكان خالد لا يطيقه ، دخل في جدال مع ( ع . ش ) سكرتير أول المنظمة القاعدية للتنظيم السياسي في الثانوية ، الذي طلب منه عدة مرات تقديم طلب عضوية إتحاد الشباب ومن ثم يتم تأطيره ضمن المنظمة القاعدية للتنظيم السياسي باعتباره من الطلبة المتفوقين دراسياً ، ولكن خالد رفض ذلك بشده . أخر مرة قال له :  " وشرف الثورة .. يا تنضم معنا ، أو شوفك بتحرم من المنحة الدراسية في الخارج " ، لكن خالد واصل رفضه واثق من تفوقه العلمي ، سلاحه الصامت الذي انتصر في الاخير .
الله يرحم الرئيس سالمين ويرحم خالد ، ويرحم ع . ش ، أما أنا فأرجو من الله تعالى أن يمنحني الصحة والعافية ويمد في عمري حتى اكتب لكم المزيد من الحكايات والذكريات الجميلة والمؤثرة  .