آخر تحديث :الأحد - 05 مايو 2024 - 04:00 ص

كتابات واقلام


في مديح التمرد

الأحد - 03 يناير 2021 - الساعة 01:51 م

د.سعيد الجريري
بقلم: د.سعيد الجريري - ارشيف الكاتب


التمرد حركة ضد سكون الكهف، فهو تعبير وعي مغاير ، ولولا التمرد، فعلاً كان أم قولاً، فكرةً أم خيالاً، يقظة أم حلماً، هجساً أم توجساً، لما كان للزمن أن يشق أنهاراً جديدة، لمياه جديدة، وحيوات جديدة. ولو قُدّرَ لي أن أقترح مقرراً من متطلبات الجامعة لكل الكليات، لاقترحت "التمرد" مقرراً لا يدرسه أساتذة نمطيون، يطفئون جذوته، حتى ليغدو صنو الفوضى، وإنما آخرون يشعلون أفقه بالتساؤلات المتناسلة التي تعيد للتمرد ماهيته الأولى، قبل أن تمسه توصيفات المدجنين والاتباعيين الذين ينشّزونه، حتى غدا وصف الفرد أو الجماعة بالتمرد علامة انتقاص أو تجريم، تصمه بالمروق والخروج على/ أو التغريد خارج السرب (القطيع ربما).

ولأن للتمرد تاريخاً مشوهاً دوّنه المناوئون، حتى شكلوا رأياً عاماً مضاداً له ولا سيما في ثقافتنا العربية، فإن من المفارقات أن ما يشخص في الذاكرة العصية على المحو صُوًى دالة على متمردين رائعين في الفكر والثقافة والأدب والسياسة والاجتماع، إذا ما تم استثناؤهم أو حذفهم، وهم - عادةً - مهمشون، لم يبق من قيمة حقيقية لتلك الثقافة، بما تكرسه من مسار باهت يعيد إنتاج الماضي والثابت باعتباره المثال الذي لا يطاول، ولا مجال سوى الاستظلال بجداره الذي يوشك أن ينقضّ.

بئس من لم تحدثه نفسه يوماً بالتمرد! .. عبارة أكاد أرددها أيقونة، كيما أرى ما للتمرد من قيمة إنسانية وجمالية أيضاً، فالمتمرد محقق الشرط الأول لوجوده الإنساني: الحرية التي يعمى الإنسان بدونها عن أن يكون هو ذاته، مسؤولاً عن اختياراته وقناعاته وعلاقاته بما حوله من الأحياء والأشياء والأفكار.
.
.
* من مقال لم يكتمل.