آخر تحديث :الأربعاء - 17 أبريل 2024 - 12:36 ص

كتابات واقلام


شهر رمضان

الثلاثاء - 07 مايو 2019 - الساعة 11:00 م

سالم الفراص
بقلم: سالم الفراص - ارشيف الكاتب


رمضان ليس شعيرة دينية وحسب وإنما قيمة ثقافية جمالية فرائحية، ينتظر حلوله العابد بروح طفل جذل ويتطلع إلى قدومه الطفل بشغف وحب العابد.
فكل شيء في رمضان يأخذ نكهته المميزة: الاذان، الصلاة جماعة، التحلق في المساجد وخارجها، الاسمار، اللقاءات، الارتحال، وقطع المسافات إلى القرى والمدن والامتلاء بعطف وحنو رمضان وحنان الأمهات والأرحام وكسر حواجز الفرقة ومتاعب البعد.
رمضان اللمة والألفة والمحبة، اللقاء، والمنادمة، والذكريات، القصص والحكايات.
هناك دائماً يكون الوقت فيه كافياً ومسموحاً بل مغرياً ومطلوباً لاختلاط الكبار مع الصغار في السمر والأفطار.. الصخب محبوب ولا موانع أو محاذير في إبداء الرأي وطلب المطالب والتعبير عما تجيش به النفوس من أحاسيس وتخفيه الصدور من أحلام وأمنيات.
في رمضان يكون للطعام لذته وسعادته لأنه يأتي بعد انتظار، وشربة الماء والقهوة تمتلك قيمة تضاهي وتفوق أكثر الأشياء قيمة وطلباً لانهما يستقران في خلايا الجسد ويجريان بمجاري الدم فيه عند ارتشاف أي منهما مع سماع صوت المؤذن أو ضربة المدفع.
نعم المدفع.. والمدفع هنا مدفع رمضان الذي كان، المدفع الذي كان يبعث صوته الأمل والفرحة لان صوته يدعو إلى الحياة التي فيها الذكر والتجمع والالتقاء.. صوت لا ينذر بالموت بل يرحب بالحياة.. صوت افتقدناه أو ربما تخلينا عنه، أو لم نعد نطالب بعودته لكثرة أصوات المدافع التي اقتحمت أيامنا وأشهرنا وسنواتنا لتهتك ستر سكينتنا وهدوئنا، ولتبث فينا الرعب وتبشرنا بدنو الأجل.
أشياء فقدناها كانت لرمضان كهاتين السبابة والوسطى، افتقدنا الرواة والقاصين والمحدثين، افتقدنا حكايات ألف ليلة وليلة، وعنتر والزير، علي المقداد.. افتقدنا ليالي الشعر والشعراء ومناجات النجوم وخيالات حكايات الماوراء.
إلاَّ ان رمضان يظل - على رغم ما افتقده ويفتقده- عنواناً يتجدد على واجهته وبين سطوره ما يجعله دائماً مميزاً مترعاً بالحب والعطاء والأمل كشهر تأصل في الوجدان والنفوس والمشاعر بوجود الانسان وبتتابع الليل والنهار، باقياً ببقائها ومستمراً باستمراريتها.
شهر لا ككل الشهور منزه عن العجز أو الاستسلام للقحط والتصحر والجفاف.. شهر مهما حاولت قساوة الظروف وبشاعة العروف وضآلة الطموح ان تنال من جذوته وروحانيته ووجه تجلياته على مدار الشهر وساعات الليل والنهار يظل شهراً مشرعاً على منافذ الخلاص والتطلع والفلاح، مطاولاً علواً واكتمالاً وانجذاباً لفطرة الانسان المجبولة على المحبة والسلام والرحمة والسكينة والاطمئنان.
رمضان كريم.