آخر تحديث :السبت - 20 أبريل 2024 - 12:00 ص

كتابات واقلام


حين يتحدث الصغير ..على الكبير أن ينصت

الجمعة - 02 نوفمبر 2018 - الساعة 09:02 ص

نزار أنور
بقلم: نزار أنور - ارشيف الكاتب


حين تأتي الأقوال و الأفعال التي تعبر عن مواقف الكرامة و العفة من الكبار فإن ذلك قد ننظر إليه اليوم في وقتنا الراهن شيء خارج عن المألوف في بلد يعيش هذه الأوضاع الكارثية و المأساوية في كل مناحي الحياة فيه، و قد ينبهر البعض لمثل تلك المواقف فينبروا للتصفيق لها إجلالا لصاحبها في زمن كثر فيه التصفيق و التبجيل لمن يتاجرون بكرامتنا و عفتنا على مرئ و مسمع الجميع و حتى أولئك الذين لا يفوتون موضعا لذلك التصفيق و التمجيد يعلمون جيدا أن من يصفقون لهم ما هم إلا مجرد تجار يجيدون عرض بضائعهم بتلك الطرق البائسة مما يجعلها في سوق المتاجرة بكرامة الأمم مجرد بضاعة مزجاة لا يريدون مقابلها سوى أن توفي لهم الكيل مقابل بضاعتهم المعروضة ، فإن فعل أحدهم لهم ذلك و برغم بخسه لبضاعتهم تلك قالوا له : (( إنا نراك من المحسنين )) .

ما دفعني اليوم لكتابة تلك الكلمات في الأعلى هو ذلك الصغير الذي ما زال يحفظ في داخله كرامة و عفة قد فقدها و أضاعها الكثيرون في هذا الزمن و لعل أبرز أولئك الخاسرون هم من نسميهم اليوم قادة و ساسة البلد إلا من رحم ربي منهم .

طفل صغير لم يتجاوز بعد الثامنة من عمره يقف اليوم في مدرسة العيدروس للتعليم الأساسي الواقعة في منطقة شعبية و فقيرة و بائسة حالها حال الكثير من المناطق المشابهة لها في هذه المدينة التي أصبح معظم أهلها يعيشون تحت خط الفقر لكنهم لم يفتقروا بعد لكرامتهم و عفتهم ، ليقف هذا الطالب الذي ينتمي لأسرة فقيرة في حاجتها إلى مقومات الحياة الكريمة لكنها غنية و ثرية بمبادئ لا يعرف قيمتها سوى من تربى على أن الناس أمام الله سواسية كأسنان المشط و أن لا فرق بين عربي و أعجمي إلا بتقوى الله .......... وقف هذا الصغير رافضا أن يمنحه ذلك المحسن حقيبة مدرسية هو يستحقها بالفعل نظرا لحاجته لها ، لكنه وجد في الطريقة التي قدمت له تلك الحقيبة ستفقده شيئا أثمن بكثير من قيمة تلك الحقيبة رغم تلك الفاقة رفض أن يقبلها قائلا لهم : (( علمني أبي أن لا أخذ شيئا من الآخرين، لقد دخلت منذ العطلة الصيفية من مصروفي اليومي في جمعية (هكبة في اللهجة العدنية) سأحصل عليها قريبا و أشتري حقيبتي المدرسية بنفسي )) .

حاول الطاقم الإداري في المدرسة و المدرسين أن يقنعوا ذلك الطفل بأن يأخذ تلك الحقيبة لكنه ظل متمسكا بموقفه و لم يتمكن أحد من أن يثنيه عنه ، لم تبقى لدي كلمات لأكتبها يمكنها أن توصف ذلك الشعور الذي قد يتملك المرء منا حين يسمع بقصة ذلك الفتى صاحب الثمانية أعوام أكثر أو أكبر و أوضح من كلماته المقتضبة التي نطق بها ، و لعل من كلماته تلك قد نخلص إلى دروس عديدة في هذا الزمن الذي بات فيه كبارنا في حاجة إلى تعلمها من صغارنا .

دمت دوما بخير يا صديقي الصغير .
و لا نامت عيون الطغاة و الفاسدين.

#كتب / نزار أنور