آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 03:25 م

كتابات واقلام


كل الشعب قومية !!

الأربعاء - 31 أكتوبر 2018 - الساعة 10:44 م

محمد علي محسن
بقلم: محمد علي محسن - ارشيف الكاتب


من يوقف هذا الجنون ؟ من يمكنه الجهر برأيه ودونما خوف أو تخوين أو إساءة ؟ .
ومن بمقدوره رفض هذه الشعارات البليدة ،وهذه الأفعال العبثية ، وهذه الخُطب السمجة الوقحة ، وهذه المزايدات الثورية الطافحة في مجتمعنا كجائحة وباء قاتل لروح التعايش الوطني الانساني ؟؟؟ .
فليس هنالك من وصفة سحرية لوباء الاستبداد أفضل من ازدهار الحرية بما تعني من احترام لحق الآخر .
كما ولا توجد دولة ناهضة وقوية ومستقرة دون حريات وأحزاب ، ودونما وجود عدالة منتصرة للحق ، ودون مواطنة متساوية ، وقبل هذه جميعاً وطن يمنحك كل هذه الأشياء ..
أحترم واقدر قادة الانتقالي ، كما ولا أجد حرجاً في نصرة مشروعهم السياسي وان اختلفت معه جملة وتفصيلا ، ففي كل الأحوال لديهم قناعاتهم ، ما يتوجب علي احترامها .
ومع هذه القناعة والالتزام الأخلاقي ، لا أرى في قادة الانتقالي أو سواه من القادة السياسيين الا انهم اناس صنعتهم الظروف ، ما يعني أنهم ليسوا انبياء ورسل ، أو أنهم فوق الشبهات والنقد .
فمثل هذه الطاعة العمياء ربما أفلحت زمناً في صناعة الطغاة وأصحاب الكرامات ، وحتى الخرافة التي هي نسيج تضليل وغباء وجهل .

مناسبة هذا الكلام ، ما سمعته وقرأته من مبررات لتعذر إطلاق قناة " بندر عدن " ، العجيب إنه لا احد ارجع الإخفاق الى الجنوبيين ذاتهم ، ككتلة بشرية مازالت أسيرة ماضيها الزاخر بالقادة المهووسين الشعبويين ، وبالشعارات الراديكالية القاتلة لصميم التنمية والتطور .
كان بودي أن أسمع مبررات بمسمياتها ، بدلاً من إشاعة التضليل والزيف ونشر الأكاذيب ، وبدلاً من لغة التخوين والافتراء على الآخرين الذين جل ذنبهم أنهم أرادوا مسك العصا من المنتصف أو فضلوا الانحياز للسلطة الشرعية وفكرة الدولة الفيدرالية ..
تحدثت مراراً أن البغض لا يقيم وطناً ، والجنوب الذي مستهله إقصاء وتخوين وكراهية ورفض لكل اشكال التمدن والتحضر ، هو عبارة عن مقبرة مفتوحة او قولوا زنزانة كبيرة لا مكان فيها لغير نظام ممل وگئيب يسرق عمرك وبلا جنحة أو جناية .

نعم ، الجنوب الذي يستقبلك بلافتة " كلنا عيدروس وشلال " هو نسخة مكررة من جنوب " كل الشعب قومية "إبان مرحلة ما بعد الاستقلال ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م .
في المرة الأولى قيل إن الزمن مختلف والاستقلال الناجز تطلب مثل ذاك النظام الشمولي الرافض لكل أشكال التطبيع والقبول بالآخر السياسي .
طيب ، الان ، هل هنالك ما يشي بأننا تبدلنا وان التاريخ صيرورة احداث متغيرة ولابد من التعاطي معها بنوع من الحكمة والبصيرة المتفتحة على كل التيارات السياسية والفكرية والثقافية ؟.
الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد ، ذكر في سياق ذكرياته التي نشرها الصحافي اللبناني غسان شربل عام ١٩٩٥م كثير من الأحداث التي باتت في ذمة التاريخ .

اصدقكم انني وحين قرأت تلك الحلقات الخمس ، شعرت بالأسى والحزن على هذه البلاد وعلى أهلها الطيبين ، فجريرة هؤلاء أنهم لم يتعلموا بعد من تجاربهم الفاشلة أو المأساوية ..
في كنف ذكريات الرجل، أورد قولة هازئة ساخرة أطلقها الشهيد الرئيس سالم ربيع علي " سالمين " حيال حوار الجبهة القومية الحاكمة مع فصيلين قريبين من توجهها اليساري وهما حزبا الشعب والبعث ، لقد وصف الحوار المارثوني بأنه اطول حوار في أصغر دولة بالعالم ..
وعودة لموضوع قناة " بندر عدن " فإنه وما لم نتحرر من اغلال الحقبة الاستبدادية المدمرة لوطننا وشعبنا ، يستحيل رؤية قناة أو صحيفة مغردة خارج سرب الصوت الواحد ..
فالمعضلة ليست بكون القناة واصحابها محسوبين على السلطة الشرعية أو الانتقالي أو غيره من الكيانات الجنوبية ؛ بل المعضلة كامنة في ذهنية الجنوبيين المقاومين لكل اشكال التعاطي مع الواقع المتعدد سياسياً وفكرياً وثقافياً ..
وتزيد المأساة حين يصير الجنوب مجرد جغرافيا خاضعة لجماعة أو كيان أو جهة ، ففي هذه الحالة يصير المحافظ العجوز علي مقبل أو شلال شائع او سواهما فوق الشبهات .
فلا ضير هنا او شك بجنوبية الشخصين ، إن رفع احدهما أو كلاهما راية الجنوب في قبعته وامام أنصاره ، أو أدى اليمين أمام هادي وعلم اليمن ، إن امسى انفصالياً في جولد مور ، أو أصبح وحدوياً في معاشيق .
إنه ذات الماضي ومنطقه المستبد الغارق بالدم والتخوين والتضليل ، وبالصراعات الداخلية الحاصدة لخيرة الرجال وافضلهم ، فلا شيء تبدل غير الاسماء والتواريخ ، عدا ذلك ، كل شيء مكرر ومقزز وسؤوم وكارثي ..

محمد علي محسن