آخر تحديث :الأربعاء - 24 أبريل 2024 - 07:19 م

كتابات واقلام


مسؤولية الوعي بالحقوق

الخميس - 04 أكتوبر 2018 - الساعة 08:40 م

سالم الفراص
بقلم: سالم الفراص - ارشيف الكاتب


بعض الأحداث والوقائع الصادمة التي ترتكب بين ظهراني مجتمعنا، وبالذات منها جرائم اختطاف واغتصاب وقتل الأطفال، لهي وإن بدت لنا- رغم تكرر وقوعها ووقعها المؤلم والمخيف أكثر من غيرها من الأفعال التي يجرمها القانون وتشمئز منها النفس البشرية السوية- قابلة للتلاشي والانسحاب السريع من واجهة الذاكرة الجمعية، إلاَّ انها (أي هذه الجرائم الشنيعة والبشعة) تبقى اشد أثراً وتأثيراً في حياة المجتمع على المستويين القريب والبعيد. وذلك لسبب بسيط وهو أنها في الوقت الذي توحي فيه انها قد غادرت مجالات ومحاور الجدل والتداول والنقاش الجاد، وكفت عن فرض نفسها كوقائع دائمة الحضور والبحث عن طرق وسبل أنجع لمواجهتها، نجدها في حقيقة الأمر - أي هذه الجرائم - قد غادرت فعلاً سطح الذاكرة ولكن ليس إلى خارجها، وإنما إلى داخلها لتترسب بثبات في قعر الوعي وتنشب مخالبها فيه بحيث تصبح وراء تحريك وتحديد جملة ردود الأفعال الارادية والمتحكمة بالممارسات والسلوكات التي يغلب عليها الضيق والهروب والاستسلام، وأحد أسباب تفكك الأواصر الاجتماعية والأسرية والاستجابات المباشرة غير الواعية والعشوائية.. بالاضافة إلى وقوفها وراء الاستئثارات على مدارك الفرد والمجتمع، والتمحور خلف استجابات غاية في الحذر والريبة، وانبعاث وتوالد الدوافع لاقدام البعض على ارتكاب وابتكار اعمال منافية للقيم والمثل والاجماع، والتعدي عليها بدم بارد ودونما خجل أو واعز من ضمير أو خوف أو خشية من لوم وندم أو تقريع أو عقاب. ولعلنا لا نغالي إذا ما قلنا إن آثار استمرار وقوع ومعايشة هذه الجرائم دون مواجهة جادة وحاسمة لها لا يفضي إلى مزيد من انكفاء المجتمع على نفسه وحسب، وإنما - وهذا هو الأخطر- تحول هذه الجرائم إلى واقع حال مفروض، وبؤرة جذب محفزة لانخراط قطاع واسع من المجتمع، وبالذات منه الأقل حظاً في التعليم والعيش والاستقرار في ارتكاب مثل هذه الجرائم بتفاخر وبرودة اعصاب و... فتراجع قدرات إنفاذ القوانين، والتساهل في تطبيقها لا يفت في عضد القوانين وهيبتها ويضعف الثقة والركون عليها فحسب، وإنما يصبح هو نفسه مصدر تهديد فعلي للاستقرار بفتحه للباب واسعاً أمام المضطربين والمشوهين انتماء ونفسياً واخلاقياً، ومدهم بالأسباب والمبررات والدوافع لتخصيب منابع الانحطاط والانحراف والاستقواء. وهكذا فإن وضعاً كهذا يصعب على أي أحد أن يغدو آمناً مطمئناً غير مهدد، لكونه فضل الانزواء وعدم التفاعل ايجاباً مع ما حوله، مما يجعل المسؤولية في الخروج من هذا المأزق مسؤولية الجميع دون استثناء، مسؤولية تستمد قوتها من الوعي بالحقوق والمطالبة بانتزاعها وإحقاقها وعدم التفريط بها تحت أي ظرف من الظروف أو سبب من الأسباب.