آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 11:25 ص

كتابات واقلام


أخوك عَزْوتك !

الثلاثاء - 20 فبراير 2018 - الساعة 10:01 م

أحمد محمود السلامي
بقلم: أحمد محمود السلامي - ارشيف الكاتب


قال تعالى { فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ، يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ } .. والصاخة هي صيحة القيامة سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع بشكل عنيف وتمهد للمشهد الذي يليها ، وعلى هذه الآية الكريمة بُنيتْ حكمة المثل الشعبي (المخوّة في الدنيا) باعتبار أن حال الناس في الآخرة ليس كحالهم في الدنيا وكما قال تعالى { لكلِ امرئٍ منهمُ يومئذ شأنٌ يُغنيه } .. وعلى هذا الأساس فان للاخوّة في الدنيا شأنٌ كبير ومهم في العلاقات الاُسرية والاجتماعية ، فالأخ هو السند في الشدة والعون في الكرب ، وهو الصدر الحنون عندما تضيق على أخيه الدنيا وتقسو عليه . هناك الكثير من الإخوة والأخوات يضربون لنا المثل الأعلى في علاقاتهم الحميمة ، ويعكسون أروع وأجمل مستوى من الاحترام المتبادل الذي يقوّي تلك العلاقات ويبقيها إلى أن يقضي فيهم الله أمره .. بالمقابل نجد العلاقات المتوترة بين الإخوة الذين لا يقدّروا نعمة الإخوة التي وهبهم إياها ربنا تعالى ، بل يتعاملون وكأنهم أعداء ـ وليس إخوة من اُم وأب ـ إما بسبب عقدة الأكبر أو الحسد أو الأنانية التي تملأ قلوب بعضهم وتجعله يناصب أخوه العداء المباشر أو غير المباشر ويحاول في كل فرصة التقليل من شأن والنيل من ، حتى يوهم الناس بأنه هو الأفضل والفريد من نوعه .. لهذا نرى في حياتنا الكثير من الورثة الذين تعطلت مصالحهم وضاع حقهم بسبب الخلافات وانعدام الثقة بين الإخوة . حتى تزول عقدة الأخ الأكبر تجب عليه التضحية والصبر والحكمة و التغاضي عن بعض أخطاء إخوته وزلاَّتهم ، وأن يرتدي ثوب الأبوة الحاني حتى يسود الحب والاحترام بينه وبين إخوته ، دون التسلط وفرض رأيه بالقوة أو بالحيلة المفضوحة . في التراث الثقافي الإنساني كثير من الإبداعات الأدبية التي تُرسخ حب الأخ لأخيه وتمنح مزيد التفكر في هذه الرابطة الغالية على قلوب معظم البشر . يُقال أن الحجاج بن يوسف الثقفي (660م ــ 714 م ) أمر بالقبض على ثلاثة أشخاص في قضية ، و أمر بإعدامهم في الساحة أمام العامة ، ولما واخرجوا لتنفيذ الإعدام رأى الحجاج امرأة شابة فائق الجمال تبكي وتنتحب بقوة ، فأمر بإحضارها أمامه وسألها : ما هي قصتك يا امرأة ؟ فردت عليه وهي تبكي : "هؤلاء الثلاثة هم زوجي وابني وأخي " وارتمت تقبل قدميه وتطلب منه العفو عنهم .. قال لها الحجاج سأعفو عن واحد فقط وعليك أن تختاريه . قالت : اختار أخي .. اندهش الحجاج من ردها وسألها عن سرِّ اختيارها لأخيها .. فقالت أن زوجها ، فتستطيع أن تتزوج رجل غيره و تنجب منه ولد ، لكن أخوها لا تستطع تعويضه ابداً لموت أبويها .. فقرر الحجاج العفو عنهم جميعاً . اما الشاعر الأموي مسكين الدارمي التميمي فقد قال أشهر بيت شعر عرفه العرب عن رابطة الأخوَة : أَخَاكَ أَخَاكَ إنَّ مَنْ لاَ أَخَاً لَهُ كَسَاعٍ إلَى الهَيجَاء بغَيرِ سِلاَحِ . لهذا أقول : حافظ على علاقتك و روابطك المتينة مع أخيك وشقيقك فهو عَزْوتك وسلاحك وسندك ، وضحكتك وبكاءك في الدنيا.