آخر تحديث :الخميس - 25 أبريل 2024 - 04:40 ص

كتابات واقلام


قصة مملكة آرغون !!

الإثنين - 23 أكتوبر 2017 - الساعة 09:26 م

محمد علي محسن
بقلم: محمد علي محسن - ارشيف الكاتب


قصة اقليم كتالونيا الاسباني ، يصعب وجزها بتاريخ أو حدث أو سبب بعينه ، إذ أنها مزيج متعدد الاوجه والفصول والتواريخ ، فمن جهة يصلح القول بكونها تاريخية بالنظر لمعاناة السكان كأقلية عرقية ثقافية ذاقت التهميش والتنكيل ، طوال حقب مختلفة ، وليس انتهاء بالحرب الاهلية وحكم الديكتاتور فرانكو الممتد من عام 1939م – 1975م . كما ويصح القول بانها اقتصادية وسياسية ولها صلة مباشرة بمشكلات مجتمعية عصرية برزت خلال السنوات الفارطة واستعصى حلها بسبب فقدان الثقة بين حكومة مدريد وحكومة برشلونة ، فبرغم ما حققه الاقليم من نجاحات اقتصادية وضعته في المرتبة الرابعة بين اقتصاديات دول " اليورو " ، إلَّا ان هذا النجاح له كلفته السياسية ، ما يستوجب دفع فاتورته سواء للحكومة المركزية المتمسكة بنصوص دستورية باتت معيقة لتقدم الاقليم ، أو للمواطن الكتالوني الذي يتطلع لمكاسب أكبر وأشمل . وأقليم كتالونيا بهيئته الحالية ، تشكل أثر اندماج مقاطعة برشلونة بمقاطعات مجاورة أخرى ، خلال القرن التاسع الميلادي ، وبدعم من ملك فرنسا " لويس شارلمان " الذي أراد الاقليم كمنطقة عسكرية عازلة بين بلاده والبلاد الاسلامية الآخذة بالتوسع والتمدد ناحية شمال وغرب اوروبا . ولم تعرف المنطقة بكتالونيا إلا في القرن الثاني عشر، وحين صارت جزءا من مملكة إسبانيا في عهد الملك " فرديناند " الأول والملكة " إيزابيلا " ،وبعد اكتشاف القارة الأمريكية تحول مركز الثقل الاقتصادي من سواحل البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي مما أدى إلى انحسار أهمية دور كتالونيا اقتصاديا وسياسيا. قلق أوروبا من استفتاء كتالونيا يوم الاحد الفاتح من اكتوبر ، بسبب ما يعتبره السكان دعما وتشجيعاً لمناطق عدة توجد بها حركات مطالبة بالانفصال ، بينها " اسكتلندا " ومنطقة " فلاندرز " في بلجيكا و " جزر فارو " الخاضعة لسيطرة الدنمارك ، واقليم " الباسك " الذي تتقاسمه فرنسا واسبانيا ، و " الفلاندرز " الناطق بالهولندية في بلجيكا ،وجزيرة " كورسيكا " الفرنسية وغيرها من المناطق المهددة بالانسلاخ ككيانات دولية في حال نجحت عملية الاستفتاء في كتالونيا . الحزب الانفصالي المتشدد " لا كوب " هدد بتخليه عن رئيس الحكومة " بوغديمون " ، الذي هدد هو الاخر حكومة " ماريانو راخوي " في مدريد ، بوثيقة الاستقلال المزمع عرضها على البرلمان الكتالوني للتصويت عليها ، في حال بقت الحكومة المركزية على موقفها المتصلب من عملية الاستفتاء وتمسكها بنص دستوري يتيح لها استخدام القوة لاذعان الاقاليم لسلطة المركز . وأقليم كتالونيا الاسباني، مساحته لا تزيد عن 33 الف كم مربع ، وهذه المساحة توازي مساحة بلجيكا وتمثل 8% من مساحة اسبانيا ، اما سكانه فنحو 7 مليون ونصف نسمة ، وبنسبة 14 % من اجمالي سكان اسبانيا ،وهؤلاء السكان يتوزعون على اكثر من مئة وخمسين قومية ، نصفهم تقريباً ، ناطقون باللغة الكتالونية ، التي هي لغة الاقليم الرسمية في التعاملات الادارية ، ويسهم الاقليم بنسبة 20 بالمئة من اجمالي الناتج القومي لإسبانيا ، ويعد الاقليم رابع أكبر اقتصاديات دول اليورو . ويعد واحداً من 17 اقليما الى جانب مدينتين ، تمتع بالحكم الذاتي ، داخل مملكة اسبانيا ، وحكومات الاقاليم مسؤولة عن المدارس والجامعات والصحة والخدمات الاجتماعية، والثقافة، والتنمية الحضرية والريفية، وفي بعض الأماكن مسؤولية الشرطة. وتمايزت اسبانيا التي وصفت ب" الطاؤوس " الصاعد ، بكونها اعطت الجزء الاكبر من الصلاحيات لحكومات الاقاليم التي تنفق 38 % من حجم الانفاق السنوي بينما الحكومة المركزية 18% من الانفاق العام ،و 13% منحت للمجالس المحلية ، والنسبة المتبقية لنظام الضمان الاجتماعي . وبرشلونة عرفت ذات حقبة تاريخية ب " مملكة آرغون " ، وهذه المملكة اقيمت عقب انتهاء الفترة الاسلامية في الاندلس وتحديدا خلال القرن الثالث عشر الميلادي ، وضمت وقتها اجزاء واسعة من حوض البحر ، مثل جزر الباليار ومدينة بلنسية ، وتوسعت حتى وصفت بأثينا المتوسط . دمرت المدينة عام 1714م على يد الملك فيليب الخامس ملك اسبانيا ،اثناء ما عرف بالحروب الاسبانية ، وعقاباً على تمرد المدينة وثورتها على سلطان الملك أمر ببناء قاعدة عسكرية على انقاض المدينة ومنع التحدث باللغة الكتالونية وكذا منع التدريس في جامعتها التي افتتحت عام 1450م . ومنذ احتلال نابليون بونابرت لإسبانيا ، بقت برشلونة تابعه للإمبراطورية الفرنسية والى ان تحررت اسوة بالمناطق الاسبانية المحتلة عقب سقوط نابليون . وفي عهد الجنرال فرانكو (١٩٣٩ - ١٩٧٥)كان الإقليم شهد حركة تمرد تم قمعها وإعدام ناشطين كُثر ، وبعيد زوال تلك الحقبة المظلمة ، ولجت الدولة الاسبانية مرحلة جديدة فاتحتها دستور عام 78م المانح الحكم الذاتي للأقليات العرقية والثقافية ، وعلى قدر ما اعطت المادة الثانية منه هذا الحق ، فإنها بالمقابل اعطت حق اجراء استفتاء في هذه الاقاليم للحكومة المركزية وحدها ودون سواها من حكومات وبرلمانات الاقاليم . وباختصار شديد يمكن القول ان ازمة كتالونيا سببها الأساس اقتصادي مجتمعي اداري ، فبعيد تجربة قصيرة من الحكم الذاتي قدر للكتالونيين تحقيق نتائج مذهلة وفي مناحي اقتصادية استثمارية وتجارية وخدمية ونظامية ومعيشية ، هذا النجاح زاد من شهية الكتالونيين في المزيد من السلطة الادارية والمالية على شؤون الاقليم ، وهو ما قوبل من الحكومات المركزية في مدريد ، بالتعنت والرفض لأي تعديلات دستورية جديدة مانحة لحكومات الاقليم المزيد من الاستقلالية. اعجبني أحد الخبراء في الشأن الاسباني ، لقد اوجز الازمة المتفاقمة بجملة واحدة ، وهي ان اقليم كتالونيا ، يماثل سمكة كبرت وتضخمت خلال فترة الحكم الذاتي ، وحوض الماء الذي ترعرعت وكبرت فيه بات الآن صغيراً ومعيقاً لسباحتها وانطلاقتها ، ما يستوجب من الحكومة المركزية التعاطي بموضوعية مع الحالة القائمة . فهناك حاجة ورغبة كتالونية بالمزيد من الانجازات والنجاحات ، وهذه يستلزمها سلطات اكبر واوسع ، وهذه السلطات يستلزمها تعديلات لدستور البلاد الذي تم صياغته عام 1978م ودون احداث تعديلات جوهرية فيه تراعي التطورات وتمنح الاقليم سلطات توازي تطلعات وامال الكتالونيين وحكوماتهم، فإن الأزمة الراهنة ستدفع الكتالونيين لخيارات قاسية ومريرة لن ينفع معها الحلول الأمنية والعسكرية . محمد علي محسن