آخر تحديث :الأربعاء - 24 أبريل 2024 - 03:18 ص

كتابات واقلام


رسالة اعتذار لكِ ياعدن

الخميس - 26 يناير 2017 - الساعة 11:50 ص

محمد كليب أحمد
بقلم: محمد كليب أحمد - ارشيف الكاتب


عندما تغازلُ الآمال خاصرة الزمن ، وتبعثُ الأحلام نسائمها العذبة لهذهِ الأرض الحـُبلى هامسةً بأيامٍ مُقبلاتٍ تـُساقُ إليها مظللة جدائلها بالخير ، وتنحني شوامخ الجبال إجلالاً لمليكتهِ السمراء التي تشرقُ لها الدنيا كلما تبسـّمَ ثغرها رضىً وكبرياء . تلك هي عدن ، هذه الأرض التي تعانقُ أمواجها الرمال الذهبية فتبعثُ فيها الحياة وتتدفقُ في شرايين أبنائها رحيق العشق الأزلي المتبادل ، فتسمو أرواحهم لتعانق السحاب ومافوقها شكراً وعرفاناً بهذا الحب الممتد قروناً ومنذ نشئ الخليقة على تربتها الطاهرة التي نبذت كل الجبابرة والطغاة وطمرتهم تحت أديمها . هذه الأم الفاتنة الأبدية الجمال والتي وهبها الخالق إشراقة كالشمس ، فغدتْ حدقات أعيننا ترشفُ منها نور الحرية التي نغتسل بها ، فلا نعرفُ للكونِ إسماً سواها ، ولا يعرفنا الكون إلاّ من خلال ذلك الوميض من عينيها فيكتبُ به على مجرّاتهِ المترامية الأطراف نقشاً أزلياً للحريةِ والأحرار . ذابـَتْ في نواميسها الأجناس والطبقات ، ومحـَتْ من أعرافها كل قوانين العبودية والاستبداد حين غرسـَتْ في كلٍ منا روح الإخاء والمحبة والتعايش ، فكان العطاء والتضحية هو سبيلنا للعرفان لهذه المعطاءة الشامخة كجبالها ، الهادئة كنسيمها وموجها ، الملتهبة المشاعر كصيفها الذي يلازمك طوال العام ! عدن .. وخليجها الدافئ المحبة ، الصامد الصابر ، هو اليوم قد طالَ ليلهُ حتى أمسى دهراً ، وانتزعت البسمة من أبنائهِا – وبكل قسوة – حين بعثرتم وأحرقتم نسيج عشقها لكم أيها القائمون عليها ، حين قررتم إهمالها بعد أن مدّتْ لكم يدها للعونِ لانتشالها من وحلِ الظروف التي تعرضَتْ لها حين نهَشـَتْ جسدها الشريف مخالب الحروب على مقاعد السلطة ، فكانت كؤوس دماء أبنائها هي النبيذ الذي يحتسيه أنذال الصراع فيسكرهم ، ويتمادون في بطشهم وهلعهم للتربع على أنقاض تلك العروش .. كل الأطراف – دون استثناء – تعاظمتْ حقارتهم للسلطة والسيادة حتى أحرقوها ، واُلقيـَتْ بين مخالبهم وأنيابهم القذرة أجساد أبنائها في ربيع أعمارهم النضرة التي سقطت فداء لها وليست لكم ! أيها المنهزمون من كل الأطراف – دون استثناء – ألا يكفيكم أن قدمتموها وجبة نتنة لمن لا يستحقون! ، فغدونا في الظلمة ليلاً ونهاراً ، تحترق أجسادنا بلهيب الصيف واستعار الحاجة والهوان بعد أن كنا سادة أنفسنا لا نمدُّ يداً ولا تنحني رؤوسنا سوى للخالق الأعظم ! وإن لم تكن حماقاتكم المتلاحقة بحق عدن وأبنائها لما كانت أحوالنا هذه ، فجفـًّتْ مآقينا ، وأحترقتْ آمالنا بالاستقرار مع كل جزء من ثانية يلتهم أعمارنا في مستنقع الانتظار والوهن والإحباط المتتالي من وعودكم الصفراء التي تتشدقون بها كلما لاحَ بارقٌ بالعطاء أو المساعدة التي يقدمها الأشقاء فنتخيلها كمحلول الإرواء الذي غـٌرِسَ في أوردتنا ولم تدخل أجسادنا منه حتى القطرات لأنكم تنتزعونه ليملأ بطونكم وأرصدتكم وتتركوننا على أرصدة الحسرة والإحباط من غدٍ لا شمس له بوجودكم . إننا نستحلفكم بكل قوانينكم ونواميسكم الساديـّة وماسونيتكم التي تقدسونها - أكثر من هذا الوطن – أن ترفعوا أيديكم عنا حتى نستطيع أن نشتـَمّ الهواء أو نفتح أفواهنا لقطرات الحياة التي يبعثها لنا الرحمن وتسابقوننا لارتشافها .. نعتذر لكِ ياعدن ... فلم نكن نحن أبنائكِ سبباً فيما تعانينه ، فأولياء أمورنا – إن كانوا كذلك – بشرعيتهم ، هم سبب هذا الشقاء التي تعانينه وندفع ثمنه نحن من أعمارنا وقوْتـنا ومشربنا وراحة بالنا أيضا !