آخر تحديث :السبت - 20 أبريل 2024 - 01:32 ص

ثقافة وأدب


الإعلامي الرائد أحمد عمر بن سلمان ودوره المتميز في إذاعة عدن(٢)

الأحد - 21 أبريل 2019 - 02:08 م بتوقيت عدن

الإعلامي الرائد أحمد عمر بن سلمان ودوره المتميز في إذاعة عدن(٢)

أ.د.علي صالح الخلاقي

الدراسة الابتدائية والمتوسطة:

كان الأب الفلاح عمر أحمد بن سلمان يشفق على وحيده وفلذة كبده، ويطمح كأي أب أن يكون لابنه مستقبل أفضل من العمل في زراعة الأرض والاعتناء بها وحراثتها وسقيها وبذارها وحصادها مع ما يرافق ذلك من كد وتعب حتى تعطي محصولا وفيراً يغطي حاجة الأسرة، فبقدر ما تزرع تحصد، ولذلك فما أن كبر الطفل قليلاً وبلغ سن الدراسة التي كانت متاحة حينها في غيل باوزير، حتى أخذ بيده اليمني، واتجه به إلى المدرسة الابتدائية، وشجعه على ذلك أيضاً أن المدرسة كانت توفر الغذاء للطلاب مجاناً، وهذا سيخفف عن كاهله قليلاً من تحمل نفقات ابنه. يقول عن تلك المرحلة:« في سن الثامنة أو التاسعة التحقت بالمدرسة الابتدائية، في ذلك الوقت، حين بدأت أعي الدنيا وأنا ما زلت طفلا، كانت الحرب العالمية الثانية قد اندلعت، عام 1939م ومع ذلك التحقت بالمدرسة..أنا من أسرة فقيرة.. بالصراحة الذي شجع أبي أن يدخلني المدرسة أنهم في ذلك الوقت كانوا يوفرون غذاء للطلاب..أنا أبي فقير، أنا من أسرة فلاحية، وفخور بذلك».
وفي الابتدائية بدأ مشواره في سُلِّم التعليم بجد واجتهاد ومثابرة، حتى تجاوز هذه المرحلة بتفوق، ينم عن نجابته ونبوغه المبكر، وهذا التفوق أهَّله على مواصلة الدراسة في المرحلة المتوسطة، التي كانت حينها أعلى مرحلة دراسية في حضرموت حتى مطلع الستينات، إذ أن أول مدرسة ثانوية على مستوى حضرموت اُفتتحت بالمكلا عام 1962م.
وهكذا التحق بالمدرسة الوسطى بالغيل ضمن طلبة الدفعة الرابعة(عام 44/1945م)، وكانت، هذه المدرسة بشهادة بن سلمان، أشهر مدرسة في حضرموت، وأول مدرسة جعلت الطلاب ينظرون إلى العالم من نافذة أوسع، والمدرسة الوحيدة التي بُدء فيها بتعليم الإنجليزية والعلوم الحديثة.. وإلى جانب ما تقدمه لطلابها، الذين كانوا يأتون إليها من بين المتفوقين من كل حضرموت، من علوم ومعارف عصرية على يد مدرسين مميزين، كانت تعد تلاميذها إعداداً خاصاً يجعلهم قادرين على الإعتماد على ذاتهم، وعلى التفكير، وإعداد قدراتهم، لكي يكونوا قادرين على احداث التغيير والتطوير. يقول عن تلك المرحلة:« في المدرسة الوسطى كان الجو حلو.. يخلقوا نوع من التنافس بين الطلبة أنفسهم، ويكون حافز لكل طالب يحاول يعمل أحسن من الثاني.. تنافس شريف..أذكر من أوجه التنافس، كان مثلا نادي الأحقاف، نادي الوادي، وكل نادي يحاول أن يبرز كفاءته ومقدرته، وتخلق تنافس في الجانب العلمي وفي الجانب الرياضي، وفي التمثيل المسرحي». ومن أوجه النشاطات المكرسة لإعداد وتنشئة الطلاب كانت الفرق الكشفية، والجماعات العلمية الزراعية والجغرافية، والأنشطة الرياضية والثقافية جزءً من هذا الإعداد، وهو ما لم يعد له أثر في مدارسنا اليوم.
حقاً..كانت المدرسة الوسطى في غيل باوزير غير عادية، ومثلت نقطة مضيئة مهدت لبروز مجتمع حديث في جوانبه التعليمية والثقافية، وكان تلميذها ومديرها فيما بعد التربوي القدير والدبلوماسي اللامع الاستاذ محمد سعيد مديحج محقاً حينما أطلق عليها اسم "المدرسة الأم"، فقد كان من ثمارها أن تخرج منها القادة والرؤساء والحكام والوزراء والسفراء والوكلاء والمديرون التربويون والمحاضرون في الجامعات والشعراء والكتاب والأطباء والتجار ورجال الأعمال في داخل البلاد وخارجها، بعضهم توفاه الله وبعضهم مازالوا حاضرين بقوة حتى اليوم في المشهد السياسي والثقافي والأدبي على مستوى البلد كله. نذكر منهم:
د. محمد عبدالقادر بافقيه، د. سعيد عبدالخير النوبان، علي سالم البيض، صالح منصر السيلي د. فرج بن غانم، المهندس فيصل بن شملان، محمد عوض باعامر، جمعان بن سعد، د. سالم عمر بكير، عبدالله صالح البار، محمود سعيد مدحي، الاخوة خالد وسالم وفائز عبدالعزيز، ابوبكر سعيد باعباد، طالب جعفر بن شملان، عبدالرحمن الملاحي، فاروق عثمان بن شملان، حيدر أبوبكر العطاس، فيصل العطاس، عبدالعزيز باعيسى، عبدالرحمن عبدالقادر بافضل، والقائمة تطول .
ومن هذه المدرسة تخرج أحمد عمر بن سلمان الدفعة الرابعة العام، ومن زملاء دفعته: د. عوض عيسى بامطرف، عوض فرج حيدر، د. صالح عبدالملك بن همام، عبدالرحيم حامد السقاف، عبدالله محمد باحويرث، عبدالله عبدالكريم الملاحي، سعيد يسلم الرباكي، أحمد عبدالغفور الهندي، عمر سالم جيشان، سالم سعيد بن غوث، فرج أحمد عبدالغفار، عبدالرحيم يعقوب باوزير، سالم محمد باحويرث، وسالم بن عبدالرحيم يعقوب، وكان التربوي القدير أحمد بن طاهر باوزير أحد أهم المدرسين الذين تلقوا العلوم على يديه.
أحب اللغة الانجليزية منذ المرحلة المتوسطة وتعلمها على أيدي معلمين سودانيين استخدموا أساليب الترغيب من أجل حب هذه اللغة التي تعد بمثابة نافذة واسعة يستطيع الانسان من خلالها الاطلاع على ثقافات العالم وعلومه الواسعة، فقد كان مدرسو المدرسة في العلوم الحديثة واللغة الإنجليزية جميعهم من السودان الشقيق. ويذكر منهم بشكل خاص الأستاذ حسين خوجلي، الذي درس على يديه اللغة الإنجليزية، وحبب إليه تعلُّمها، وقد تحمل خوجلي إدارة المدرسة لمدة عشر سنوات من 1944-1954م، قضاها في عمل متواصل لا يعرف الكلل لتأدية رسالته الجليلة، ولن تنسى حضرموت فضله مع زملائه من الأساتذة السودانيين الذين اسهموا في وضع اللبنات الأولى لهذا الصرح التعليمي والثقافي المتميز. وكانت لهم بصماتهم الواضحة وحضورهم القوي والمبكر في النهوض بالتعليم في حضرموت، قبل غيرهم من العرب( ).

يتبع غدا