آخر تحديث :الثلاثاء - 23 أبريل 2024 - 07:06 م

اخبار وتقارير


الدبيس يروي فصول مؤلمة من مأساة أسرة خلال الحرب على عدن

الجمعة - 05 فبراير 2016 - 04:56 م بتوقيت عدن

 الدبيس يروي فصول مؤلمة من مأساة أسرة خلال الحرب على عدن

كتب/ اخلاص الكسادي

حتى نصبح أكثر قوة لمواجهة اللحظة الراهنة بتعقيداتها، علينا استحضار الملاحم الإنسانية، التي صنعناها معا، عندما كانت مليشيات الغزو الحوثي العفاشي جاثمة على مدينتنا، رسمنا جميعا لوحة انسانية بمداد دمائنا وعذابات أيامنا، لا ينبغي لنا أن نسدل الستار عليها، هذه واحدة من تلك الملاحم أبطالها طاقم قناة صوت الجنوب بقيادة ردفان الدبيس .
 
المكان : مقر قناة صوت الجنوب المؤقت في عدن
الزمان :  أواخر شهر رمضان الماضي
يقول الزميل/ ردفان الدبيس: في ليلة رمضانية، ليس لها من مسماها الا القرب من رب العباد، حيث حول الغزاة ليلنا ونهارنا الى جحيم لا يطاق ، في تلك الليلة الكئيبة ، وبعد عدة محاولات  لفتح شبكة الاتصالات والانترنت، التي تعرضت هي الاخرى للقطع، لعلي أجد خبرا من مكان ما، كانت صواريخ الكاتيوشا تدك  منازل المواطنين بشدة، حيث كان العدو كان يكثف اعتداءاته أوقات الفطور والسحور.
 
أسرة دون ملجئ
ويضيف: في تلك اللحظة العصيبة، جاءتني عبر الرسالة التالية:  اخوي ردفان انا وأمي وأخوني في الشارع في منطقة  إنماء، ولم نجد مكانا ننام فيه ، ولم نأكل شيئا من أمس ، والجو خوف ، ولا ندري أين نذهب،  كلما ذهبنا مكان قالو الييوت زحمة، متسائلا ردفان: ماذا عسانا أن نفعل لهذه الأسرة المنكوبة في أمنها قبل كل شي؟.
سألتهم:  أين انتم؟ فلم يرد احد.. يا إلهي لقد انقطع الاتصال، فعرفت حينها لماذا قطع الغزاة الاتصالات!! بالتأكيد حتى تتقطع بنا السبل ، فلا نستطيع مساعدة بعضنا بعضا. 
 
على قارعة الطريق
لم استسلم وقلت مادمنا نملك الإرادة والعزيمة  نستطيع ان نعمل الكثير، فأخذت سيارتي واتجهت صوب أنماء ابحث عن أسرة تعيش بالطرقات أرهقها التعب والجوع والخوف، وبحثت من شارع إلى اخر ومن مكان إلى أخر وهكذا استمر بي الحال إلى الساعة الرابعة فجرا، حتى وجدتهم أخيرا في قارعة الطريق.. رباه!!
 
أحياء أشبه بالأموات
يتذكر ردفان جيدا الحالة التي وجدت الاسرة عليها حينها: وجوه هدها الخوف والجوع والعوز، وقلة الحيلة والمال، فماذا عساي ان أفعل؟!! فأخذتهم بسيارتي ولا ادري اين اذهب بهم، الى أي منزل؟! فانا وطاقم قناة صوت الجنوب نعيش في غرفه واحدة، ولكن ليس لدي خيار آخر .
 وصلت الى مقصدي ، وجدت  الشباب وقد هدهم تعب العمل والصوم  فشرحت لهم القصة، فكانوا كما عهدتهم، لقد قرروا ترك الغرفة للأسرة، وقرروا التوجه للمجهول، رغم إرهاق العمل : فقد قضوا نهارهم من جبهة الى جبهة وبدون سحور او نوم .
 
أقتحام منزل
كنا في حيرة ماذا سنعمل حتى نوفر الحاجيات الضرورية للأسرة؟ وبعد لحظة، فإذا بأحد الشباب يقول انا اعرف بيت واحد ولكن يريد إيجار.
نظر بعضنا لبعض!! ولسان حالنا جميعا يقول: من أين لنا الإيجار ونحن لا نملك حتى الف ريال يمني؟!! لكننا قلنا ما في مشكله الفلوس المهم لازم الأسرة تصل إلى المنزل وذهبنا إلى المنزل وبينما نحن  نقوم بكسر القفل فاذا بصاحب البيت يصل، رحماك ربي !!
 
دموع
 رد الرجل علينا السلام- يبدو ان الرجل قدر جهدنا في الحرب- شرحت  له القصة وعلى جناح السرعة أحاول ان أوصل له الفكرة حتى لا يغضب ويتعاطف معنا .
فاذا به يقول لي اخي ردفان: لا عليكم اعتبروا البيت بيتكم وكل شي بالبيت من عفش لهم يستخدموه، ففاضت عيوننا بالدموع تأثرا.. فرحنا في تلك اللحظات ونحن في تعب لا يمكن ان يتصوره اليوم أحد وكنت انظر الى الأسرة وهي تتابع ما نقوم به والحوار الذي يدور بينتا واذا بهم جميعا يغرقون بالدموع .
 
موقف انساني
 وبعد ان شاهد صاحب المنزل ما وصل اليه الناس وكيف تتعذب الأسر، ونحن في هذه الحالة الإنسانية قال لنا:  البيت بدون اي مقابل بيتكم حتى يفرجها الله علينا جميعا.
 بعد ان دخلت الأسرة المنزل، سالنا احد الشباب: هل انتم كل الأسرة؟ كانوا- أشبه بالغريق في وسط البحر- لا بل ان فلان أخونا لا نعرف اين هو منذ  نصف شهر وأبونا منذ شهر لا نعرف اين هو؟!! وأخونا الآخر خرجنا من البيت وهو مريض ولا نعرف عنه شي منذ  أسبوع.
 
قاتلنا بكل ما نملك
 في تلك اللحظة لا اعتقد ان بشرا لا يتحرك ضميره او حتى عينه لا تذرف،  موقف يجعلك تقاتل بكل شي تملكه من اجل الناس الذين تشردت وعاشت أصعب أيام حياتها،  تالمنا كثيرا ونحن نشاهد اسر لا تجد ما تاكل وتواصل الصيام لليوم الثاني ولا تملك حيلة او وسيلة للتخفيف عنهم .
ويستطرد: بدانا نجمع التمر والفطور، ونحن كنا بحاجته من أجل نتسحر حتى نستطيع مواصلة التغطية وننقل معاناتنا للعالم،  لم نكن نحصل على  رواتب،  أو ننتظر من احد اي شي، ولا فكرنا حتى نسال احد ريال واحد، لا من التحالف ولا من الشرعية، مخختما ردفان: كنا نملك عزيمة أقوى من الجبال لذلك تجاوزنا الصعاب . 
انتهى فصل حكاية الأسرة التي افترسها الخوف والجوع وتقطعت بها السبل الى العراء.. لكن قصتنا لا ينبغي ان ننهيها الآن وبعد ان قاربنا ملامسة الحلم، وان فترت عزائم البعض!!، فقد حقق شعبنا الكثير، وبالعزم والصمود سنكمل المشوار، فقط علينا كلما وهنت قوانا وشعرنا بالتعب ، علينا استذكار تلك الملاحم والبطولات ، فهي زادنا حتى نكمل المسيرة ونصل للهدف .